إيمان مصطفى
ليس من السهل بمكان أن ترثي الشهداء. تماماً، كما ليس من السهل التقاط العبارات التي تفي الجرحى حقهم. إنهم طيف العباس.. وأنت تكتب عنهم، تحار بأي الكلمات تنعتهم. تتمنى لو أنك تمتلك موهبة كتابة الشعر، لتنظم أبياتاً في رحابهم.
تتعثّر خطوات الساعات المتسابقة أمام الذاكرة حين يكون الحديث عن قصة الجريح الحاج حسين المقداد. وهل من قصة أجمل لتكون مثالاً عن شعار عاشوراء لهذا العام "وفاء واباء". هذا الوفاء الذي يختزل روح الحياة لطرق شتى، ويحمل معه معاني الإيثار والتضحية والإباء.
عن صوته الخافت المتقطع الذي يطوي في لحظة، المسافة بين الإنسان، في جراحاته، والسماء في جلالها المهيب. يغمرني صوته بقشعريرة جميلة. كيف لا، وهو من ارتوى من حب الامام الحسين (ع) يوم عاشوراء وواسى أخاه العباس في جراحه، سالكاً درب الغربة، يوم حمل حقيبته مغادراً الوطن، لأسمى هدف.
وفي حديثه لموقع "العهد"، يستذكر المقداد يوم الفداء الطويل، يقول" يوم حملت حقيبة وطني معي ومضيت للشهادة عرفت أنه طريق ذات الشوكة.. دخلت الى عمق فلسطين بجواز سفر بريطاني لتنفيذ عملية نوعية وأمنية كانت ستستهدف أبرز قيادات الجيش الصهيوني.. شاء الله أن أعيش مواسياً لأبي الفضل العباس .. وحصل خلل تقني أدى الى انفجار العبوة بجسدي في القدس، ما أدى الى فقداني بصري وأطرافي وتعطل أذني اليمنى والأخرى بنسبة 60%، وفقدت حاسة الذوق".
في سجنه الذي أسر فيه بعد أن ثكل بالجراح، وعده "الإسرائيليون" بإجراء عملية تعيد له إحدى عينيه ليرى بهما ابنته مقابل اعترافه ببعض المعلومات الحساسة. هنا يتحدّث المقداد بألم يحاكي ابنته "سأحرم من رؤيتك، ولكنّ قلبي يا صغيرتي يتابع خطواتك وأنفاسك، تشجعي ولا تقلقي، وتذكري أن الحياة سلسلة من الصدمات التي لا نتغلب عليها إلا بالمزيد من الصبر".
رفض الجريح الأسير العرض، طالباً منهم أن يقطعوا لسانه أو أصابعه التي أبت أن تترك إحدى يداه، فبقي جريحاً أسيراً في سجون الاحتلال، ليفرج عنه لاحقاً في عملية تبادل الاسرى بين المقاومة والعدو الصهيوني، تاركاً قصة المجاهد البطل الذي لا يقبل الثناء.. والشهيد الحي في كل لحظة.
"ورغم قساوة سيف البعد وشدة حرارة الشوق للشهادة، وطول المسافات"، يقول المقداد "ما زلت أحمل بين جوانحي حقيبتي التي حملت فيها الوطن، وحبي للحسين وعشقي للشهادة عام 1996.."، وها هو يعمل في توجيه الجيل الناشىء لتعلم الاحكام الدينية والتقيد بتعاليم الاسلام المحمدي الأصيل، داعياً كل المجاهدين للعلم والتعلم لأن المقاومة تحتاج الخبرة والعلم والعقل كما تحتاج البندقية والرصاص.