رجع الكشاف الذي أرسل لاستطلاع طلائع الجيش المهاجم، ولقد عاد يهوّل بكثرة المهاجمين ووفرة أسلحتهم.. وكان ما قاله صحيحاً إلا أن الشيخ علي الفارس حاكم منطقة الشقيف نهره قائلاً له: "أسكت قطع الله لسانك.. ثم أمر بسجنه".
ومن ثم أرسل مستطلعاً آخر فعاد ـ وقد اخذ الأمثولة ممن سبقه ـ وأخذ يقلل من خطر العدو، ويخفف من أهميته.. فأثنى عليه الشيخ وأمر له بخلعة!.
كان ذلك عام 1771 م، عندما زحف الامير يوسف الشهابي بجيش قدّر بأربعين ألف جندي.. لقد كان عدداً خطيراً حسب مقاييس ذلك الزمان. وكان هدف الأمير الشهابي السيطرة على جبل عامل، فتلقاه الشيخ علي الفارس، بعد أن أرسل رسولاً للشيخ ناصيف النصار يطلب منه النجدة والمعاونة.
وتقدمت قوت الأمير الشهابي، تدمر البيوت وتكتسح القرى، وتخرب المزروعات، ولم يسلم من أيديهم لا الصغير ولا الكبير، حتى وصلوا إلى مدينة النبطية، حيث نصبوا سرادقاً كبيراً على البيدر الأعلى قرب الجبانة (الضاحية الغربية من البلدة).
وفي هذه الأثناء وضع الشيخ علي الفارس خطته التي ما لبث أن عدل عنها فبعد أن كانت دفاعية، أصبحت هجومية، وانتهز فرصة غرور خصمه.. وقلة حذره استناداً لجيشه العرمرم، وعبأ خيالته تعبئة حربية محكمة، وأحاط بفرقة الأمير الشهابي، الذي انفرد بفرقة من جيشه عن باقي الفرق، وبدأت المعركة، فارتبك الأمير الشهابي واضطربت صفوفه وفي هذه الاثناء وصل الشيخ ناصيف النصار ومعه ثلاثة آلاف، من المستهزئين بالموت، فرجحت كفة العامليين وانسحب الغزاة إلى كفررمان.
وفي صباح اليوم التالي 29 تشرين أول/ أكتوبر 1771م، التهبت ساحة المعركة ووقغت الهزيمة النكراء بالشهابيين، وبلغ عدد قتلاهم 1500 حسب رواية الامير حيدر الشهابي في تاريخه، وما زاد على 3000 قتيل حسب رواية مؤرخي جبل عامل.
وكانت تلك المعركة، من أهم المعارك التي انتصر فيها العامليون، والتي نظم فيها الشعراء القصائد والزجليات الجميلة، التي لا يتسع المجال هنا لذكرها.