بقلم: راغب الشيخ راغب حرب(*)
كثيرة هي الأمم التي تتغنى بأمجادها، وكثيرة أيضاً تلك التي تنهك التاريخ بحثًا علّها تحظى بمجدٍ تحمله وتسير به فخرًا. أما أمتنا العزيزة فأمجادها تسبق التاريخ، وكل يوم ينبت عندنا ألف مجد وفخر، وكيف لا نكون كذلك! ونحن أمة أفتتح عهدها بالشهداء ولا زال ذلك العهد مستمرًا دون انقطاع.
ما أعظمه مجداً أن يحثَّ القائد الخطى نحو الشهادة والبذل، ويتقدم الجميعَ في العطاء، ويضحي في سبيل الله دونما تردد أو خوف، ففي كل حقبةٍ تتجدد تلك الأمجاد بقائد فذّ يسابق الموت نحو الشهادة، ويسارع الخطى إلى لقاء الله.
ولست أدري لماذا يَعجب الناس أن يكون قادتنا بهذا الإيمان والهمة والاستعداد للتضحية، فهُم عرفوا الهدف الذي ينبغي أن يصلوا إليه وهو رضا الله تعالى، وانتخبوا الطريق الموصل إليه مهما كان شاقاً ومضنياً، ووضعوا أمامهم شواخص تهديهم إلى سمة الحق، ألا وهم محمد وآل محمد صلوات الله عليهم. فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا، حتى أكرمهم الله بوسامه الرفيع وحباهم كرامته الأبدية ومنَّ عليهم بالشهادة في سبيله. فانتصروا أيّما انتصار، وفازوا أيّما فوز، وشاهدنا دم الوالد الحبيب، إذ سقط في يد الله فنما وانتشر في الأرض، وحُفظت وصية السيد عباس حتى صارت القوة المنيعة التي تُحطّم مشاريع المستكبرين، وتَحققَ حُلم الحاج عماد بأن تُدافع المقاومة عن المظلومين حيثما كانوا. وما كان ذلك ليكون لولا تلك الدماء النقية الزاكية التي أريقت في سبيل الله.
وهكذا كان بُعدكم عنّا أيها الشهداء القادة ليس بعداً عبثياً بل في سبيل الله ولنصرة الحق والدفاع عن الأوطان. وهيهات أن تغادروا القلوب فرغم طول غياب شخصكم إلا أنكم أكثر حضوراً... ما زلنا نستمد العزم من عزمكم، والإرادة من إرادتكم، ولقد صرتم مع خفقات القلب تحضرون وفي خطرات الذهن تعودون، فإن لكم في كل انتصار سهمًا، وفي كل إنجاز يدًا.
والدي الحبيب، لم يسكن شوقنا بعد، بل هو يشتدّ ويتعاظم، ما زلنا نقلب صورك، نتأمل في تلك العيون التي كانت ناظرة إلى ربها، وننظر إلى ذلك الثغر الذي نطق بأعظم كلمة، كلمة الحق في وجه الظالم. نحدّق بتلك اليد التي مسحت رؤوس الأيتام، وكانت عصية على أن تصافح المحتل الغاصب. نراقب تلك القامة الشامخة التي عزّت أن تنحني لغير الله تعالى، وما زلنا نسمع صوتك الذي يصدح بالحق دون خوف أو وجل أو حسابات دنيوية، فيزرع فينا بذار العزم وحمل الأمانة، وما زلنا نبحث فيما خطت يمينك لنقرأ في تلك السطور.. آيات الإيمان والإباء والكرامة.
يا والدي، سنبقى نستلهم من عزمك، إيمانك، وثباتك في كل الصعاب والشدائد، وسنبقى نتابع نهجك، ونخطو خطاك، وسنبقى في طريق طاعة الله والمقاومة لكل محتل وظالم، حتى يلحقنا الله بكم شهداء، وتبقى هذه الأمة عزيزة، كريمة، مصانة وسبّاقة في أمجادها.
(*) نجل شيخ شهداء المقاومة الشهيد الشيخ راغب حرب (رض)
ـ مقالات خاصة لـ "موقع العهد الإخباري" بمناسبة يوم القادة الشهداء للعام 2017