استشهد عماد مغنية.. شهادته كانت مفتاحنا للدخول إلى حياته. لم أكن أريد الكثير، مجرد حكايا صغيرة من حياة عماد مغنية.. تفاصيل ولو على غرار: "أكلته المفضلة، وهواياته، وعاداته، وجوانب من شخصيته"، فقليل قليل من حياة ذاك القائد بمثابة كنز يكفي أن تملكه لتشعر بالغنى.
ساعة في ضيافة عماد مغنية.. أمام صورته باللباس العسكري، الصورة الوحيدة له حتى في منزل ذويه، كانت المقابلة مع وجوه لطالما رأيتها، عرفتها وجوهاً ناشطة في العمل النسائي والاجتماعي داخل حزب الله، لم أكن أعرف من قبل أن بينها وبين عماد مغنية صلة قربى! هؤلاء كن والدة عماد مغنية وشقيقته وابنة وبنات أخيه، منهن من تكلمت ومنهن من فضلت ان تستمع مصدقة على كل كلمة تقال في الحاج عماد.
قبل استشهاده، تقول زينب الشقيقة الصغرى: "كنا نحرص على كتمان هويتنا، قليلون عرفوا أنني شقيقته، أما اليوم فلو أستطيع أن أعلق لافتة تخبر بأنني شقيقة عماد مغنية لما قصرت، أريد للعالم كله ان يعرف ذلك، لأن ما منحنا إياه من عز لا يمكن وصفه. كنا نشعر بهذا العز خلال حياته، ولكن أصبح بمقدورنا اليوم أن نجاهر به".
"زينب هي الأقرب بين أفراد العائلة إلى عماد مغنية"، هكذا قال عنها الشهيد كما أكدت لنا، والسنوات الـ21 التي كانت تفصل بينهما لم تكن عائقاً أو حائلاً أمام علاقة فريدة من نوعها كانت تربطهما: "كثيرة هي الأمور التي كنا نتفق عليها، كانت تستهوينا أنواع الموسيقى نفسها، والشخصيات نفسها".. كما تقول.
مع كل كلمة كانت تنطق بها زينب متحدثة عن أخيها، كانت تنظر إلى صورته المعلقة على الحائط.. أخبرتنا أن "هذه الهيبة التي شعر بها كل من رأى هذه الصورة كانت من أجمل صفاته، هيبة كان يفرضها أينما حل ومتى أطل". لم يكن وقت طويل قد مرّ على رؤيتها شقيقها، كان يوماً عادياً ظلت خلاله جالسة ملتصقة به حتى لحظة مغادرته، وهو ما لم يكن من عاداتها.
جوانب عديدة في شخصية عماد مغنية كانت زينب دليلنا إليها، كانت تتحدث وسط دموع لم يكن من السهل إخفاؤها، وابتسامة فرضها ذكر عماد مغنية الإنسان قبل القائد. أخبرتنا عن "أكلاته المفضلة" التي كانت تحرص على تحضيرها له كلما أتى، وعن خصال تبقى خصالاً لم يعرف أحد سببها حتى الشهيد نفسه.
جميل أن تتعرف إلى الحاج عماد مغنية، وما هو أجمل أن تعرف ان هذا القائد الكبير الذي أمضى نصف سنوات حياته في الجهاد شاغلاً العدو، مستعداً لتكبيده الهزيمة تلو الأخرى، هو نفسه الذي أمضى حياته متابعاً أدق التفاصيل المتعلقة بعائلته وأولاده، وحتى أولاد شقيقه الشهيد فؤاد. تقول ابنة الشهيد فؤاد مغنية: "استشهد والدي وكان لي من العمر 8 سنوات، فكان عمي كالوالد لي ولإخوتي، وهو ملأ هذا الفراغ. اليوم أشعر بأن والدي استشهد". مضيفة: "كان يمر وقت لا نراه فيه، ولكن كنا دائماً نشعر بوجوده، وأنه معنا ويدعمنا في كل شيء".
ماذا عن الزوجة؟ ماذا تقول في زوجها؟ الصمت فقط هو جوابها.. تقول شقيقته زينب: "إن ما كان يجمع عماد بزوجته علاقة روحية فريدة من نوعها، لقد كانت دائماً إلى جانبه، داعمة له في مسيرته، حريصة على تأمين كل ما يلزمه. وحتى بعد استشهاده حرصت على إتمامها كل المستحبات، فوقفت على أدق التفاصيل التي لا تخطر على بال أحد، قبل أن تودعه في ثرى روضة الشهيدين.. كل ذلك برغم مشاعر الألم الكبير لفراقه".
"أم عماد"، هكذا كانوا يعرّفون عنها، وهي الناشطة منذ بداية العمل الإسلامي والجهادي، لكنها لطالما كانت تضيف بفخر واعتزاز "... مغنية". أمام امرأة بصبرها وإيمانها وقوتها تدرك من أي رحم يولد المجاهدون الأبطال من أمثال الشهيد القائد عماد مغنية، لست بحاجة لأن تسألها عن سر ما وصل إليه ولدها، ففيها يكمن هذا السر.. هي لم تكن تتوقع يوماً أن يصبح ما هو عليه اليوم، كما لم تتوقع أن تكون المسيرة بهذا الشكل، لكنها كانت تهيئه للإسلام، لكي يكون مسلماً ومؤمناً ومتديناً يحافظ على دينه: ".. طبعاً حين بدأنا هذه المسيرة الجهادية، كنت من المشجعين والمندفعين الى جانبه، ولم أكن أعارضه في أي شيء".
لسان حالها اليوم كما كل يوم: "على هذا الخط ماضون ومثابرون وقد قدمنا ما عندنا، وإن شاء الله نقدم أيضاً ما هو مطلوب منا، ونتمنى أن يبقى هذا الخط، وليطمئن الشباب وليطمئن السيد حسن أننا واقفون ونحن لم ننكسر، وهم لا يقدرون علينا إلا من خلال طريقة الغدر".
برغم استشهاده وبرغم ألم الفراق هي فرحة، لأنه نال هذه المرتبة.. وتؤكد: "ابني ليس إرهابياً كما يزعمون ويقولون، هو مقاوم ومجاهد من مجاهدي هذه الأمة الإسلامية". وتتوجه إلى قائد المقاومة: "وراءك الكثيرون من أمثال عماد، من رباهم عماد كلهم وراءك، فلتطمئن.. نساؤنا ان شاء الله ستلد أجيالاً قد تتفوّق على عماد".
ذاك هو القليل الكثير الذي عرفناه عن ذاك القائد البطل، ذاك هو كنزي الثمين الذي قد يسترخصه آخرون.
عماد مغنية، يا من اخترقت القلوب والعقول دون استئذان، عذراً لأنني دخلت بعضاً من حياتك دون استئذان.
ميساء شديد