انسل ضوء الفجر.. من عتمة الليل
كبرت مآذن صور.. الله أكبر.. حي على خير العمل
استيقظت دحانين .. تشرين ..
لفح وجهها نسيم البحر
غردت وكأنه الموعد..
قام علي.. وحسين.. قام احمد
توضأ للصلاة.. للجهاد.. لخير العمل
تلا سوراً بينات
.. قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم .. وينصركم..
امتشق سيف علي (ع).. وراية العباس(ع) وانطلق..
زلزال كيانهم ..وانتزع الحياة من صدورهم
اعاد للوطن حياته.. عزته.. وكيانه
ورحل.. احمد قصير.. فاتح عهد الاستشهاديين نحو
"العهد" مشاركة منها بالذكرى، تسأل شهودا عيانا عما شاهدوه في ذلك الصباح من يوم الحادي عشر من تشرين الثاني عام 1983 والذي بات
د. الزين
الدكتور حسن الزين روى تفاصيل العملية ومشاهداته عندما كان في مستشفى جبل عامل الملاصق لمبنى الحاكم العسكري المستهدف.
يقول الدكتور الزين لـ"العهد": كانت وقتها ايام اشتدت فيها ما وصف بـ"القبضة الحديدية" التي مارسها الاحتلال على أهلنا، وكانت تلك الايام في فصل الشتاء وقد حصل طوفان بفعل الامطار الغزيرة تضرر جراءها العديد من خيم جنود العدو المنصوبة في منطقة البص قبل يوم واحد من العملية، فاضطر الجنود الى اللجوء لمبنى الحاكم العسكري الذي عج حينها بالجنود.
وأضاف: قرابة السابعة الا عشر دقائق صباحا كنت استلقي في غرفة مقابلة للمبنى، وقفت مذعورا لا ادري ماذا حصل لبضع لحظات، ومن شدة الانفجار، لم اسمع صوته اطلاقا" لكني شاهدت بأم العين كيف كان المبنى المؤلف من ثماني طلبقات يهوي طبقة فوق طبقة.. بعدها بدأ مخزن الذخيرة بالتفجر. شعرت في أثنائها بأنها عملية ما قامت بها المقاومة ولم أكن اعلم انها استشهادية الا عندما حضر أحد المواطنين الذي كان بقرب المبنى بسيارته وروى لي كيف قامت سيارة بيضاء بسرعة قوية وتجاوزته ودخلت الى المبنى مباشرة.
وقال د. الزين: ان قتلى العدو بلغوا ما يزيد عن مئتي قتيل لانه بعد دقائق من بدء عمليات الانقاذ التي بدأت بعد ساعتين من العملية شاهدت نحو 45 جثة ممدة على الطريق العام، وأبني كلامي على ما يلي:
أولا": إتلاف الخيم التي كان يسكنها الجنود وحضورهم الى المبنى المذكور، اضافة لذلك حصلت العملية عند الساعة السابعة الا عشر دقائق في الوقت الذي تنتهي فيه الدوريات الليلية عند الساعة السادسة والنصف وتبدأ عمليات التبديل عند الساعة السابعة، يعني ذلك ان وجود عناصر الدوريات الليلية لازم وجود عناصر التبديل النهاري، وهذه الفرصة تقضي بوجود جميع الجنود تحت أنقاض المبنى.
ولفت د. الزين الى ان ساعتين من الارتباك المتواصل والبكاء المستمر من الجنود ساد المنطقة، فالجنود الذين نجوا لا يعدون على أصابع اليدين، وكانوا لا يعرفون ماذا يفعلون بعد مقتل قادتهم ومسؤوليهم داخل المبنى المدمر.
و
وعن شعوره بهذه الذكرى، قال د. حسن الزين: انها بالفعل لحظات رائعة، فكلما اذكر تلك اللحظات أشعر بالعزة والفخر بأنني كنت شاهدا على بكاء الجنود وعويلهم، وكنت شاهدا" على هزيمة الاحتلال وانكسار شوكته.
وأكد د. الزين ان ميزة عملية الشهيد قصير لم تقتصر فقط على قتل عشرات الجنود الصهاينة وإنما ايضا كانت انطلاقة فعلية لعمليات المقاومة وفاتحة لعهد العمليات الاستشهادية.
من جهته السيد أبو سامر روى لـ"العهد" مشاهداته للعملية عندما كان معتقلاً في المبنى المستهدف حيث قال: اعتقلت قبل يوم واحد من العملية ونقلوني الى الطابق السابع في مكان واسع، وقضيت تلك الليلة مكبلا"، والكيس في رأسي، ولم أنم بسبب الاوجاع التي نتجت عن التعذيب الذي مورس ضدي. وعند الساعة السابعة الا عشر دقائق تقريبا وبينما كنت مسوقا الى الحمام شعرت وكأن زلزالا ضرب المبنى وغبت للحظات عن الوعي حتى لم أسمع صوت الانفجار، وظننت للوهلة الاولى انها نوع من أنواع التعذيب، واذا بالمبنى يصبح انقاضا" وانا في رأس هذه الانقاض وفوقي سقف مدمر، والعناية الالهية ابقت احد الأعمدة واقفا وبدأت اسمع صراخا وأنينا من بين الانقاض وما هي الا لحظات حتى بدأت الذخائر بالانفجار، وعلى مدى ساعتين لم اسمع الا البكاء والعويل وطلب النجدة، وكنت ايضا مشاركا لهم بالصراخ، وبعد فترة من الوقت سمعت هدير آليات وجرافات الا انني لم اعد اسمع استغاثات الجنود فعلمت انهم قتلوا جميعا وانتابني حينها شعور بالحماسة والخوف على المصير معاً. وأسطع دليل على خبث وحقد الصهاينة تجاهنا عندما مر احدهم ورآني تحت الانقاض وسألني فقط ان كان بجانبي جنود فقلت له كلا، عندها تركني ورحل وانا استغيث دون ان القى جوابا، وبقيت على هذه الحال سبع ساعات، بعدها قلت لهم ان اسرائيليين يستغيثون تحتي فعمدوا الى انتشالي بعدما اصابتني بعض الجروح وطبعا هذه الدماء فداء للشهيد قصير وقضيته التي هي قضية كل الوطن.
وأضاف:
والدة الشهيد
والتقت "العهد" والدة الشهيد التي لم تعلم باستشهاد ولدها احمد الا بعد عام وقالت :ان احمد توجه الى بيروت للعمل في دكان والده، وكالعادة انتظرته حتى يعود يوم الجمعة الا انه لم يحضر، وكذلك يومي السبت والاحد فتوجهت فورا انا ووالده الى بيروت وبدأنا نسأل عنه عند اقاربه واصدقائه، والجميع لم يعرف شيئا" عن احمد حتى بلغ الامر بنا لوضع صورته في الجريدة دون فائدة، وعشت عذابات الام الثكلى فترة عام تقريبا لم أترك وسيلة لم استنجد بها للعثور على احمد ولم يخطر ببالي انه قد استشهد في عملية لانه اذا حصل ذلك فإنني سأبلغ بالطبع، الا ان وصية الشهيد احمد حالت دون معرفتي حيث وصى بعدم ذكر اسمه الا بعد انسحاب العدو من المنطقة حفاظا على سلامة اهله وعلمت بأمر استشهاده من احدى الاخوات عن طريق الخطأ، ثم سحبت قولها، وكان وقتها أخو الشهيد على علم بالامر، فتوجهت فورا الى بيروت وسألت ولدها عن مصير احمد فأخفى علمه حتى استحلفته برسول الله ودماء الامام الحسين (ع) عندها أجابني بالحقيقة.
وتشعر والدة الشهيد بأن كل واحد من المقاومين هو احمد وقالت انها فخورة بالعزة والكرامة التي أعطاها أحمــد وأمثاله لكل اللبنانيين .
علي شعيب
بعد خمسة اشهر وسبعة ايام على بداية الاجتياح الاسرائيلي للبنان الذي أدى الى سقوط آلاف الشهداء والجرحى والمصابين في صفوف المدنيين الآمنين، قاد فتى من بلدة دير قانون النهر ـ قضاء صور ـ لم يتجاوز عمره ثمانية عشر عاما، سيارة "بيجو" مفخخة بكميات كبيرة من المتفجرات وبقذائف غير منفجرة من مخلفات الاجتياح، واقتحم مقر الحاكم العسكري الاسرائيلي لمنطقة صور (بناية عزمي)، الذي يضم القيادة العسكرية وبقربها معسكر للجيش وعلى سطح المبنى وضع المعتقلون من اللبنانيين والفلسطينيين، وأمام المدخل وضعت شاحنة لسد الطريق خشية أي عملية فرار محتملة للمعتقلين.
جرى تحديد الموعد يوم العاشر من تشرين الثاني 1982، لكن حالت دون التنفيذ ظروف طارئة، فاستعيض عنه باليوم التالي الخميس 11-11-1982 الساعة السابعة صباحا في طقس ماطر اضطر خلاله الجنود للالتجاء الى المبنى، بعكس اليوم الاول الذي كانت فيه السماء صافية والجنود منتشرين في المخيم المجاور، وهو ما زاد عدد الجنود الذين اضيف اليهم مسؤول في المخابرات بات ليلته في المبنى، بينما نقل ذلك اليوم عدد كبير من المعتقلين الى مبنى آخر.
المبنى كان يتألف من ثماني طبقات، يضم مكاتب تابعة مباشرة للاستخبارات الاسرائيلية، بينما خصص احد الطوابق كمقر لوحدة المساعدة التابعة للقيادة الاسرائيلية في المنطقة، وحول الطابق الرابع ليكون مقرا يبيت فيه عدد من الضباط والرتباء ممن يكلفون بمهمات محددة ـ استخبارات ـ لوجستيك ـ ارتباط.
الخسائر
الناطق العسكري الاسرائيلي اعترف يومها بمقتل 74 ضابطا وجنديا بمن فيهم الحاكم العسكري واعتبار 27 مفقودين، وفي محصلة أوردتها الصحف الاسرائيلية بعد بضعة ايام، ان هناك 141 قتيلا وعشرة اعتبروا في عداد المفقودين.
مجلس الوزراء الاسرائيلي اعلن الحداد في يوم 15/11/1982 لمدة يوم كامل حيث اطلقت الصفارات في جميع انحاء الكيان الصهيوني تلتها دقيقة من الهدوء التام، فيما واصلت وسائل الاعلام قطع برامجها لتبث الموسيقى الحزينة، وخصصت المدارس ساعة من حصصها للحديث عن العملية.
احتار الاسرائيليون في تفسير العملية، ودفعهم ذلك الى القول حينا ان ما جرى "بسبب خلل في البناء" وحينا آخر باستبعاد تفجير سيارة مفخخة، "فالانفجار تم بعبوات ناسفة زرعت تحت اعمدة المبنى وأدت الى انهياره كليا". هكذا كانت تحليلات الضباط الصهاينة يومها ومنهم رافائيل ايتان رئيس الاركان.
بقي اسم احمد قصير مجهولا، وكذلك الجهة التي نفذت العملية حتى 19-5-1985، عندما اقامت المقاومة الاسلامية احتفالا في ذكرى شهدائها في بلدة دير قانون النهر وكشفت فيه النقاب عن بطل العملية الاستشهادية الاولى ضد قوات الاحتلال، وذلك خلال كلمة التي ألقاها سماحة السيد حسن نصر الله.
تقدم احمد بسيارته نحو المبنى، بينما انتظر رفيقان له في سيارة اخرى قريبا من المكان بعدما ودعاه بحرارة قبل ان تلتهب المنطقة بأكملها بدوي انفجار سيارة احمد قصير في اهم مركز عسكري اسرائيلي في الجنوب، ليفتح بذلك عهدا جديدا في الصراع المسلح بين الاسلاميين والكيان الصهيوني.