القدس في خطاب المقاومة الإسلامية
احتلت قضية القدس وفلسطين، مكانة الأولوية الهامة في خطاب وسلوك المقاومة الاسلامية في لبنان، ممثلة بحزب الله المجاهد، وعملياً فإن الاهتمام بالقدس، لم يكن موسمياً ولا حصيلة ظرف طارئ، بل هو من مكونات خطاب المقاومة الإسلامية في لبنان في رؤيتها للصراع مع العدو الصهيوني، هذا الشر المطلق الذي ينتهك الحرمات والمقدسات، ويدنس مسرى رسول الله صلى الله وآله وسلم ومعراجه إلى السماء.
ولذلك لم يكن مفاجئاً، يوم دعا الإمام الخميني (قدس سره) الى إحياء يوم القدس العالمي، أن يكون سماحة السيد عباس الموسوي، الأمين العام لحزب الله في طليعة مسيرة يوم القدس، بلباسه العسكري، وقد شد جبينه الطاهر بعصبة الجهاد، وعليها عبارة: يا مهدي أدركنا. كذلك لم يكن مفاجئاً أن السيد الشهيد عباس الموسوي، قد اختزن القضية الفلسطينية، وعاش جراحات هذا الشعب، وعذابات القدس ومسجد الصخرة، وأحب ترابها وأطفالها، وحمل قضية القدس مع قضية الجنوب، فكان للقدس كما كان لجبل عامل، وتحدث عن القدس أكثر مما تحدث عن جبل عامل، وتحدث عن الانتفاضة أكثر مما تحدث عن المقاومة، كما وحمل همّ القدس وجبل عامل وهمّ الانتفاضة والمقاومة، حتى استشهاده رضوان الله عليه.
وتابع سماحة السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله، حمل هم القدس والمقاومة والانتفاضة مؤكداً "أن القدس حاضرة في وجدان الشعب الفلسطيني وفي ضمير الأمة التي لا تتحمل أن يدنس حرمتها شارون، وأن يبيعها أي زعيم عربي في سوق النخاسة". ولم يترك سماحته فرصة أو مناسبة، ليعيد التأكيد على أن "فلسطين للفلسطينيين حق، والقدس للعرب والمسلمين حق".
وهو خاطب المنتفضين في فلسطين، في كانون الأول عام ألفين، ولمناسبة يوم القدس العالمي بالقول: "يا شعبنا في فلسطين سوف نبقى إلى جانبكم، عيوننا مشدودة إلى القدس كعيونكم، أرضكم أرضنا، قدسكم قدسنا، دمكم دمنا، أبناؤكم أبناؤنا، وحريتكم حريتنا". وقد حدد سماحته، في خطاب له أمام مؤتمر القدس في بيروت، عام ألفين وواحد، القدس التي يقصدها في كلامه، عندما يتحدث عن القدس قائلا: "القدس في فهمنا تعني فلسطين، كل فلسطين، من النهر إلى البحر، القدس تعني كل تراب عربي محتل، والقدس كل شهيد قتلته أيدي الغدر الصهيونية، وكل أسير ومعتقل زجّ به في السجون الاسرائيلية، وكل لاجئ مشرد من بيته وأرضه، القدس تعني الحرية والسيادة الحقيقة والاستقلال الناجز.
ومن هذا الفهم، ومن هذا الواقع نحن مدعوون أن نتحمل مسؤولياتنا التاريخية تجاه القدس، بكل ما تعنيه وكل ما ترمز إليه. وانطلاقاً من موقف المقاومة الاسلامية الرافض للاعتراف بالكيان الصهيوني، ولوهم التسوية معه، فقد أكد سماحة السيد حسن نصر الله أن الانتفاضة هي الطريق إلى القدس، داعياً إلى التركيز بشكل جدي على الانخراط في خيار المقاومة والانتفاضة، وهو الخيار الذي دعت إليه المقاومة الإسلامية باستمرار.
قبل اندلاع انتفاضة الأقصى في فلسطين المحتلة أكد سماحة السيد حسن نصر الله، وفي خطاب ألقاه في بلدة الخيام المحررة أنه "ليس هناك أحد في هذا العالم يملك تفويضاً في القدس، أو يملك تفويضاً في فلسطين، لا من العالم العربي ولا من المسلمين، ولا من المسيحيين، وقال: "القدس ملك الفلسطينيين والعرب والمسلمين والمسيحيين، ولا يملك أحد تفويضاً بالتنازل عنها". وبعد اندلاع الانتفاضة، كان التشديد على أن خيار المقاومة هو الخيار الصحيح، من أجل استعادة فلسطين، وبيت المقدس، ودفع هذا الخطر المحدق بالأمة الاسلامية والإسلام والمقدسات.
وقد أصبح شعار: "يا قدس إننا قادمون" يتصدر مسيرات المقاومة الاسلامية، الأمر الذي كان له أثر بالغ على معنويات المنتفضين في فلسطين. وفي إطار رؤيتها الشاملة للصراع، رفضت المقاومة الإسلامية، المواقف الأميركية المتطابقة مع مواقف الصهاينة بشأن القدس.
وعام أربعة وتسعين قال مصدر مسؤول في حزب الله: "إن القدس هي عاصمة فلسطين، ورمز المقدسات الإسلامية، وهي ليست ضمن الأملاك الأميركية حتى يصنفها كلينتون بتصنيفاته ويهبها لليهود".
وفي إطار الرؤية ذاتها، وظف حزب الله موقفه في الحركة الإسلامية، للحشد من أجل نصرة القدس وفلسطين. ففي بيان أصدره سماحة الأمين العام السيد حسن نصر الله، بعد اجتماعه مع قاضي حسين أحمد أمير الجماعة الإسلامية في باكستان، وشاه أحمد نوراني رئيس جمعية علماء باكستان، أكد القادة الثلاثة، أنه عندما يوحد المسلمون كلمتهم، يمن الله عليهم بالنصر المؤزر والمعجل حتى يتم تحرير فلسطين والمسجد الأقصى، وكل الأراضي الإسلامية المحتلة.
نافذ أبو حسنة
من ذاكرة الانتقاد ـ العدد 1133 ـ 28/10/2005