نبذة سريعة عن نشأة الشهيد ودراسته ومرجعيِته
ولادته
ولد رضوان الله عليه عام 1353 هجرية الموافق عام 1933 ميلادية في مدينة الكاظمية بالعراق ... وينتمي نسبه الشريف الى الامام السابع موسى بن جعفر "الكاظم" من ائمة اهل البيت (ع).
اما والده المرحوم العالم الفاضل السيد حيدر بن السيد اسماعيل بن السيد صدر الدين بن السيد صالح .. فيعد من العلماء الكبار في علمي الاصول والفقه وقد ذكر السيد عبد الحسين شرف الدين في ترجمة حياته فقال رحمه الله :
" والحق أن السيد حيدر قد بلغ من الفقه والاصول وما اليها على حداثة سنه مبلغاً يستوجب أن يكون في الطليعة من شيوخ الاسلم ومراجع العامة ولعلي لا اعرف ـ غير مبالغ ـ من يرجع عليه بشيء في ميزان من موازين الفقه لراجحة ".
وأما والدته فهي التقية البارة ابنة العالم الكبير الشيخ عبد الحسن ال ياسين وشقيقة العالمين المحقق الشيخ محمد رضا ال ياسين والشيخ مرتضى ال ياسين رحمها الله .
وكان الشهيد رحمه الله ثاني اخوة ثلاثة هم :
السيد اسماعيل الصدر الذي كان من خيرة الفضلاء والعلماء في النجف الاشرف ثم رغب اليه المرجع الكبير السيد محسن الحكيم ان يعود الى الكاظمية ليشرف على شؤون المسلمين هناك فصار وكيلا مطلقاً عن المرجع فيها .
والسيد الشهيد رضوان الله عليه .
والشهيدة آمنة الصدر الكاتبة الاسلامية المعروفة " ببنت الهدى " والتي قضت معه في وقت واحد .
وكان جده السيد اسماعيل قد حاز المرجعية العامة في العراق بعد وفاة سلفه المرجع اليد حسن الشيرازي .
وتتحدر اسرة ال الصدر من اصول عامليه . فقد عاش جدهم السيد صالح في بلدة شحور من اعمال جبل عامل ايام الاتراك ثم هاجر الى العراق لطلب العلم فآثر البقاء فيه رغبة ي التدريس والافادة .
نشأته ودراسته
لم يكن عمر الشهيد رحمه الله اكثر من اربع سنوات حين توفي المرحوم والده فتولت السيدة الفاضلة والدته تربيته كما يذكر افراد العائلة بهذا الصدد أحد الفضلاء واسمه عبد الحسن الذي كان يقدم للعائلة الخدمات النبيلة كما كمان يخص شهيدنا بعناية متقرباً بذلك الى الله .
وفي اجواء العلم والفضيلة وضمن الحوزة العلمية اكب الشهيد على دراسته العلوم الفقهية والاسلامية وبدت عليه منذ الصغر علامات النبوغ المميز فتوسم فيه كل من عرفه مستقبلاً مشرقاً للعلم والفكر . وكان أخوه المرحوم السيد اسماعيل الدر أول من تولى تدريسه المقدمات في العلوم العربية والفقه والاصول فكان يدون ما يدرسه ويتوصل اليه بعد التحقيق كما لا ينسى ان يسجل ملاحظاته ومناقشاته على المؤلفين، روى أخوه السيد اسماعيل انه كان يشرح له مبحث الضد من كتاب معالم الاصول وهو في اوائل السنة الثانية عشرة من عمره . وبحث الضد من اصعب مسائل علم الاصول ـ فأورد له رأي صاحب كتاب المعالم في المسألة وتقضي ان ترك أحد الضدين مقدمة للضد الاخر . فاعترض الشهيد على هذه المسألة وتقضي ان ترك الضدين مقدمة للضد للأخر. فاعترض الشهيد على هذه المسألة بأن هذا الكلام يستلزم الدور . والدور مرفوض علمياً . وتطابق رأيه في هذا مع اعتراض كان قد سبق اليه المحقق الكبير صاحب الكفاية ولم يكن الشهيد قد اطلع على ذلك .
وعندما أتم الدراسات التمهيدية للعلوم الفقهية والاصولية والفلسفية هاجر عام 1356_1945 الى النجف الاشرف مع اخيه السيد اسماعيل حيث بدأ بالدراسات العليا وهو في السنة الثالثة عشرة من عمره على يد اساطين علم الفقه والاصول في حاضرة النجف الاشرف.
وفي هذه المرحلة تلقى الدراسات العليا على يد عالمين شهيرين من اعلام النجف الاشرف هما :
1ـ الشيخ محمد رضا ال ياسين خال الشهيد الذي كان معروفاً لدى المحققين بالفقيه المدقق، وكانت ابحاثه تلقى على نخبة من اكابر العلماء . لعمق الابحاث التي كان يطرحها . ولم يمنع صغر سن شهيدنا ان يستوعب هذه الدروس ويسجلها ويناقشها ويدرب نفسه لتحصيل رتبة لاجتهاد واضعاً فتاواه الخاصة عليها .
وقفد شهد له الشيخ عباس الرميثي بالاجتهاد وهو دون العشرين وحرم عليه التقليد وذلك بعد ان اشترك معه في مناقشة واستخلاص الراي في فتاوى الشيخ محمد رضا ال ياسين والتعليق على رسالته الفقهية " بلغة الراغبين "
2ـ المرجع الاسلامي الكبير آية الله العظمى السيد ابو القاسم الخوئي وهو غني عن التعريف واشتهاره بالأستاذية والتحقيق في علمي الاصول والفقه ورجال الحديث غير خاف ٍ وقد استفاد الالاف من العلماء في العالم الاسلامي من دروسه وابحاثه ومؤلفاته .
ولم يكمل دورة الاصول على الامام الخوئي لاكتفائه بالحضور بعض الوقت والاستمتاع الى المحاضرات ثم توجهه بنفسه لدراسة مؤلفات مرتجع الفقه والاصول وابحاثها العالية المستوى المتوفرة في المعاهد الدينية والتي الفها كبار علماء المسلمين منذ الف سنة من امثال الشيخ الطوسي وابن ادريس والمحقق الحلي والشيخ النائين والاصفهاني وسواهم .
وقد امتاز الشهيد رضوان الله عليه بخاصتين هما : الذكاء الخارق الذي يستوعب المسألة من جوانبها المتعددة لذلك كان على غير العادة من التحصيل العلمي في عاهد النجف فلم يدرس على كثير من الاساتذة سوى من ذكرنا . اما الخاصية الثانية فهي العمل الدؤوب " والصبر على التحصيل العلمي بالدراسة الذاتية لكتب العلم المختلفة مع الاستغراق الكامل في مهمات البحث والتدقيق، فقد كان يعمل يومياً ست عشرة ساعة ولا يلتفت الى صياح اطفاله من حوله لدرجة انه ذكر له ذلك فقال اني لا اسمعهم " كما انه لم يكن يلتفت للوقت حتى تأتي والدته البارة فتذكره بوقت الصلاة والطعام .
مرجعيته:
تميز القائد الشهيد رضوان الله عليه ... بكونه يمثل نموذجاً جديداً للمرجعية الاسلامية الواعية .. والمؤهلة لقيادة الامة فكرياً واجتماعياً وسياسياً.
وقد بدأت مرجعيته بالتركيز والامتداد في اواخر مرجعية المغفور له اية الله العظمى السيد محسن الحكيم .. وبرزت الى الامة بعد وفاته سنة 1970 .
ولأجل ذلك .. فقد ارتفعت اسهم هذه المرجعية لدى الشباب المثقف الواعي والجامعي في مختلف انحاء العالم الاسلامي .
وقد حرص المرجع الشهيد، على تغذية التيار الاسلامي الواعي في الامة بشتى الوسائل . وكان يعطي الاولوية في صرف اموال الحقوق الشرعية (الخمس)* لهذا السبيل .. وإنشاء المكتبات العامة .. وانشاء المراكز الاسلامية .. ( كمثل على ذلك اذنه بصرف الحقوق لشراء مركز في لندن . واستئجار مركز في باريس )...
وعندما نضجت الظروف للتحرك السياسي ... ولتغيير الوضع السياسي الفاسد . بعد انتصار الثورة الاسلامية المباركة في ايران بقيادة الامام الخميني حفظه الله .. برزت مرجعية الشهيد بوصفها المرجعية المؤهلة في العراق والقادرة على قيادة الصراع السياسي .. على خطى الثورة الام في ايران الاسلام .
وقد اتخذ المرجع الشهيد رضوان الله عليه سلسلة من الخطوات الرائدة على هذا الصعيد هزت العراق من اقصاه الى اقصاه ..ز واثارت الرعب لدى الجهاز الحاكم .. فأقدم تحت حالة الخوف الهستيري التي أصابته على اعدام القائد .. توهماً منه بإمكانية القضاء على المسيرة التي اطلقها ...
استشهاده:
كان لقرار المرجع الشهيد بقيادة الصراع السياسي ضد النظام الحاكم في العراق ... الاثر الكبير . كما أشرنا، في تحريك الامة وتصعيد المد الثوري الاسلامي ضد السلطة .. وسط الظروف الايجابية الواسعة التي أحدثتها الثورة الاسلامية بقيادة الامام الخميني .
ومن الطبيعي أن تلجأ سلطات القمع ... امام خوفها من الاسلام .. ومن اهتزاز الكرسي الذي تتربع فوقه بإرادة اسيادها المستعمرين .. من الطبيعي ان تلجأ في البداية الى الرد على التحرك الاسلامي بضرب قاعدته وارهاب قيادته علها تتمكن بذلك من ايقاف هذا التحرك...
ولكن أمام صلابة القيادة المتمثلة في المرجع الشهيد .. وبعد فشلها في ثنيه عن موقفه بالاعتقال .. والوضع قيد الاقامة الجبرية تسعة اشهر ...
وبعد النصائح التي انهالت من اجهزة المخابرات الاستعمارية .. لجأ النظام الحاقد في العراق الى الكشف عن وجهه المعادي للإسلام والمسلمين بوضوح .. حين اقدم في يوم الاربعاء فير 24 جمادي الاول 1400 ه الموافق 9 نيسان 1980 على اعدام القائد الشهيد مع اخته الشهيدة المرحومة بنت الهدى ( آمنة الصدر ) ...
المصدر: جريدة العهد ـ العدد 42 ـ 12 نيسان/ أبريل 1985