العلاقة بين الشهيد ومكان الاستشهاد.. جدلية تحقق الانتصار
العلاقة بين الشهيد ومكان الاستشهاد.. جدلية تحقق الانتصار
شارل ابي نادر
منذ ان تطوعت في الجيش ولاكثر من ثلاثين سنة خلت ونيف، كان اكثر ما يشدني او يلفت انتباهي وتركيزي هو مسيرة الشهداء الذين يسقطون في معارك ساحات الشرف والواجب المقدس، حيث كنت اتابع وبدقة كافة التفاصيل والوقائع التي رافقت حادثة الاستشهاد واحاول التعرف على ظروفها وعلى حيثيات المعركة التي انتجتها.
بداية ، قد يكون من الطبيعي ان اهتم بهذا الموضوع حيث كان يدخل في صلب مهنتي واختصاصي، فانا مُجبر ومن خلال وظيفتي ان اتعرف على الميدان الذي تم الاستشهاد فيه، وعلى وقائع ومعطيات المعركة او الحادثة من كافة النواحي الامنية والعسكرية والميدانية، اذ يعتبر من واجبي ان ادرس هذه المعطيات واستخلص منها العبر العسكرية بعد ان احللها واستنتج الاخطاء اذا وجدت وظروف ودرجات الخطر الذي رافقها.
لاحقا ، ومن خلال اكثر من معركة او حادثة حيث كان يستشهد ضابط او عسكري او اكثر، اكتشفت ان هناك سر غريب يختلف عن ذلك الواجب المهني الذي ذكرته اعلاه، سرٌ يدفعني دائما للبحث عن علاقة ما بين شخصية الشهيد وبين مكان استشهاده، سرٌ كان يشكل قوة غير مرئية تدفعني وتبقى ورائي لكي اركز في بحثي وفي دراستي وفي مصادر معلوماتي الى ان اجد تلك العلاقة التي كنت اصل اليها في النهاية.
لقد اكتشفت هذه العلاقة في اغلب شهادات الضباط والعسكريين الذين عايشتهم في خدمتهم في الجيش اللبناني قبل ان يستشهدوا، واكتشفتها لاحقا في مسيرة اغلب شهداء المقاومة بعد ان أصبحتُ من متابعي معاركهم في مواجهة العدو الاسرائيلي او معارك دفاعهم المقدس في ميدان المنطقة الملتهب من خلال دراساتي وابحاثي وكتاباتي التي اصبحت من صلب مهنتي وعملي بعد إحالتي على التقاعد.
لقد اكتشفت ان اغلب هؤلاء الشهداء الابطال، والذين يكونون ممن منّ الله سبحانه وتعالى عليهم بقدرات مميزة في القيادة وفي العبقرية في الميدان او ممن انعم عليهم بذكاء وبحس أمني وعسكري لافت، يستشهدون في نقاط وفي مواقع حيوية، وفي أوقات او في ظروف تكون حاسمة وفاصلة في تحديد مسار معركة اساسية او استراتيجية ويكون لها وقع وتأثير بالغي الأهمية على الميدان بالكامل.
لقد ظهرت لي هذه العلاقة واضحة جلية بعد ان تابعت ومن خلال ابحاثي ودراساتي، ومن خلال بعض المعطيات الخاصة، او من خلال وسائل التواصل الاعلامي او الاجتماعي الظروف والوقائع التي رافقت شهادة القائد المقاوم الحاج علاء فياض او الحاج "علاء البوسنة " كما يعرف باسمه المقاوم، الذي استشهد اثناء قيادته لمجموعة المقاومة التي اشتركت مع الجيش العربي السوري في العملية الاخيرة لاستعادة السيطرة على طريق خناصر ـ حلب الحيوية بعد ان كانت قد سيطرت عليها عناصر من تنظيم "داعش" الارهابي في عملية خرق.
نعم، لقد اكتشفت هذه العلاقة الوثيقة بين شخصية الشهيد القائد الحاج علي فياض الذي تميز في تاريخه المقاوم بقدراته القيادية في الميدان وببسالته وحنكته في أغلب العمليات التي قادها او التي نفذها، وبين الاهمية الاستراتيجية لأمكنة حصول المعارك االفاصلة والحاسمة التي خاضها خلال مسيرته الواسعة في المقاومة، والتي كان آخرها معركة استعادة السيطرة على الطريق المذكور الاكثر حيوية وحساسية في الميدان السوري وخاصة في شمالها الملتهب.
واخيرا ، لا بد من التنويه بان التاريخ قد ترسمه حرب، والحرب قد تُحدد نتيجتَها معركةُ، والمعركة قد تحسمها وحدةُ عسكريةُ معينة، وهذه الوحدة العسكرية لا بدّ وان يقودها قائد بطل والاّ لن تربح معركتها، وبالتالي ستخسر الحرب وسيكتب التاريخ تلك الهزيمة.