صفحات العزّ التي سجّلتها المقاومة الاسلامية على مدى تاريخها النضالي المشرق في جنوب لبنان لا ينضب. وفي رحاب أيلول، تعود الذاكرة الى العام 1997، حيث ملحمة انصارية. هناك حيث لا يزال عويل الجنود الصهاينة يتردد صداه، على مدى السنين. هناك أحال المقاومون قوة كوماندوس اسرائيلية أشلاء أعمت عقول قادة العدو وجنرالاته.
شكّلت واقعة أنصارية إحدى أقسى الهزائم العسكرية في تاريخ جيش الاحتلال الاسرائيلي على مستوى المواجهة والالتحام المباشر. ذلك أن الهزيمة لحقت باحدى أهم وأقوى الوحدات العسكرية المنظمة في ما كان يعرف سابقاً بأفضل الجيوش في العالم.
بعض ما خلّفة العدو على أرض المعركة
في الخامس من أيلول 1997، قامت قوة كوماندوس اسرائيلية بعملية انزال - كان من المفترض أنها سرية - بعد منتصف الليل في خارج بلدة انصارية الجنوبية، فكانت المقاومة الاسلامية بالمرصاد. أحكم مجاهدو المقاومة خناقهم على المجموعة، وقاموا بتفجير عبوات ناسفة كبيرة كانت مزروعة في المسالك التي كان ينوي الجنود سلوكها، وأدى انفجار العبوات الى تفجير عبوات كان يحملها افراد الكوماندوس.
وسط ذهول جنود العدو، أمطر المجاهدون الغزاة بوابل من نيران رشاشاتهم، لتندلع على الاثر مواجهات ضارية، تدخلت فيها المروحيات الاسرائيلية في محاولة لمساندة قوّتها المعادية وسحبها بعدما قتل معظم افرادها وتناثرت اشلاؤهم في المكان. وعمدت قوات الاحتلال الى انزال قوات اضافية في محيط مكان المواجهات في انصارية وملعب خيزران لنجدة القوة المحاصرة وسحب الجثث فتصدت لها المضادات الارضية التابعة للمقاومة الاسلامية والجيش اللبناني، كما أصيبت مروحية معادية تمكنت من الاقلاع والهبوط اضطراريا في مستعمرة نهاريا في فلسطين المحتلة.
المواجهات البطولية التي خاضها رجال المقاومة استمرّت حتى الرابعة والنصف فجراً، وخلفت القوة المعادية وراءها جثة قتيل واحد وأشلاء جنود آخرين فضلاً عن أعتدة وأسلحة تناثرت على أرض المعركة.
قيادة الاحتلال العسكرية التي ذهلت بقدرة المقاومة على اكتشاف الانزال والتحضر لمواجهته، اعترفت بمقتل أحد عشر جنديا من قوة الكوماندوس البحري وفقدان جندي آخر واصابة أربعة. وبحسب البيان الذي أصدرته قيادة العدو العسكرية آنذاك، فإن "مروحية تابعة لوحدة الانقاذ تعرضت لنيران هاونات ومضادات أرضية وأصيبت لكنها تمكنت من الاقلاع والهبوط اضطراريا في نهاريا، وقد قتل طبيب قوة الانقاذ النقيب "ماهر دعشى" في اثناء محاولات الانقاذ، فيما قتل طبيب اخر برتبة رائد هو "تساحي بين طوف" وهو طبيب وحدة الكوماندوس البحري".
العدو ينقل قتلاه وجرحاه
أما أسماء القتلى الاحد عشر الذين استطاع جيش العدو سحبهم من ساحة المعركة، فهم: قائد القوة المقدم يوسف كوراتي (32 سنة) الرائد تساحي بن طوف (28 سنة) النقيب دغش (26 سنة) النقيب رام ليفنت (22 سنة) النقيب سيفيك روتمن (21 سنة) المساعد راس سابي (22 سنة) المساعد اربيه ابرامسون (20 سنة) المساعد يوحنا هيلبميرغ (21 سنة) الرقيب اول غابي غوسان (21 سنة) الرقيب اول غال رودوسكي (20 سنة) والرقيب اول باميد شمفيل (20 سنة) والرقيب ايتمار ايليا.
* السّيد نصر الله يعلن صدّ العدوان.. والمقاومون يحتفون
ملحمة أنصارية زفّها الى الشعب اللبناني الامين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله بمؤتمر صحافي أعلن خلاله أن "ما حصل هزيمة اسرائيلية وخسارة كبيرة للمؤسسة العسكرية ولاجهزة الامن الاسرائيلي"، كاشفا أن المقاومة الاسلامية كانت تتوقع العدوان ونشرت مقاتليها في مختلف الاماكن المحتملة، مؤكداً سقوط ما بين خمسة وعشرين الى ثلاثين قتيلاً بخلاف اعتراف "اسرائيل" بمقتل اثني عشر جنديا، وقال ان لدى المقاومة اشلاء اكثر من جندي اسرائيلي واحد تركتها وحدة الكوماندوس المنهزمة، ومشيداً بالدور الذي لعبه الجيش اللبناني في المعركة.
وبموازاة ذلك، استقبل الامين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله مجموعات الحراسة التي واجهت قوات الكوماندوس واشاد ببسالة الجاهدين وصلابتهم في المعركة المظفرة، مشددا على جهوزية المجاهدين في مختلف المناطق اللبنانية تحسبا لعدوان مماثل، وجرى في نهاية حفل التكريم تم توزيع الهدايا ونسخ من القرآن الكريم وقطع قالب الحلوى احتفاءا بالانتصار.
أما مصادر الجيش اللبناني، فتحدثت في حينها عن دورها الأساسي في احباط العدوان الاسرائيلي، حيث تولت مراكز الجيش في المنطقة الرصد المباشر والمراقبة الدقيقة لتحركات القطع البحرية والجوية الاسرائيلية حتى لحظة انزالها ودخولها منطقة العملية، وتعاملت وحداتها مع القوة الاسرائيلية فورا، واطلقت في سماء المنطقة عشرات القنابل المضيئة مما سهل كشف القوة والتعامل معها.
* نتنياهو يقرّ: انها واحدة من اسوأ الكوارث التي واجهناها
وفي المقلب الاسرائيلي، وصف رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو هزيمة انصارية بانها "كارثة تطفح بالحزن.. انها واحدة من اسوأ الكوارث التي واجهناها، ولست أبالغ اذا قلت اننا فقدنا بعض أفضل جنودنا.. انه يوم حزن عميق وأسى مضاعف لشعب اسرائيل".
وحمل رئيس حزب "ميرتس" يوسي ساريد بشدة على نتنياهو، محملا اياه المسؤولية، وقال "ان الحزن والالم هما حزننا جميعا، ولكن السياسة هي سياسة نتنياهو الذي وعد بالامن والسلام، وسياسته تجلب لنا الكارثة تلو الكارثة"، معتبراً انها "الايام الاشد قتامة في تاريخ اسرائيل". ونقل تلفزيون العدو عن وزير البنى التحتية في حكومة العدو ارييل شارون قوله "ينبغي اعادة النظر في اسلوب العمل الامني في لبنان".
مكان عملية انصارية البطولية
وفي مقابلة تلفزيونية، قال وزير الحرب الصهيوني اسحق موردخاي "ان العملية استهدفت مكانا يفترض ان مستوى اليقظة والتأهب فيه سيكون متدنيا.. ان كل الاحتياطات اتخذت لضمان نجاح العملية ولكن لا اعرف ماذا حدث بالضبط".
الى ذلك، شكل رئيس الاركان الاسرائيلي امنون شاحاك لجنة تحقيق عسكرية خاصة لتقصي الحقائق حول فشل عملية الانزال في انصارية برئاسة الجنرال غابي اوفير.
* المقاومة توثّق العملية بمشاهد مصوّرة
ورداً على لجوء العدو الصهيوني الى فرض التعتيم الاعلامي على صور اشلاء جنوده المتناثرة في انصارية، قام حزب الله بتوزيع عشرات الصور لأشلاء جنود الاحتلال على شبكة الانترنت في اطار استكمال حربه النفسية ضد العدو,
وبعد مضي أكثر من ثلاثة اسابيع على تشكيل لجنة التحقيق، ورغم التعتيم الشامل والرقابة الشديدة المفروضة على وسائل الاعلام الاسرائيلية، اشارت صحيفة "هآرتس" الى ان اللجنة قررت توجيه كتب انذار لستة ضباط تتراوح رتبهم بين رائد وعميد وتحدثت عن "مواضع خلل استخبارية" في التخطيط للعملية. وبنيت استخلاصات اللجنة على ثلاثة احتمالات: تسرب معلومات استخبارية (بواسطة عميل مزدوج يعمل لصالح حزب الله)، العبوات التي فجرت ضد القوة، انفجرت مع الجنود انفسهم.