خطة هروب منظم للمستوطنين من رجال حزب الله
جهاد حيدر - موقع العهد
عادة ما يهدف الاعلان عن الخطط العسكرية التي يعدها الجيش الاسرائيلي الى محاولة استعادة وتعزيز ثقة جبهته الداخلية، وفي الوقت نفسه إلى توجيه رسالة قوة وردع للخارج. لكن كل هذه المطالب أبعد ما تكون عن خطة اخلاء المستوطنين القاطنين في المستوطنات القريبة من الحدود الشمالية في حال نشوب مواجهة مع حزب الله، والتي هي أقرب ما تكون الى «هروب جماعي منظم» يشرف عليه الجيش وبتوجيه من القيادة السياسية، بدلا من أن يكون فرديا وعشوائيا يربك مؤسسات الدولة خلال الحرب.
وبقدر ما ينطوي الحديث العلني عن الخطة، كما وردت في صحيفة معاريف نقلا عن مصادر عسكرية رفيعة المستوى، على رسائل اشكالية تتصل بقدرات الجيش الهجومية والدفاعية والردعية، وعلى توفير الامن للمستوطنين، إلا أنها تعكس قدرا من الواقعية التي هبطت على صانع القرار السياسي والامني في تل ابيب، خاصة وأنه في حال تم تنفيذها تكون هي المرة الاولى منذ العام 1948 التي ينفذ فيها الجيش خطط اخلاء من هذا النوع خلال المواجهات، كما ذكرت معاريف.
من جهة أخرى، تعكس هذه الخطة والحديث الاعلامي عنها، سياسة رسمية مدروسة تهدف الى تهيئة الجمهور الاسرائيلي لهذا النوع من السيناريوهات الذي بات من الحقائق التي لا ينفع معها الانكار أو التهرب، على ضوء تغير معادلات الصراع الذي فرضته المقاومة في لبنان منذ ما بعد حرب العام 2006، ولاحقا في قطاع غزة.
كيف سيهرب المستوطنون من رجال المقاومة ؟
ومما يميز الكشف الذي قدمته صحيفة معاريف عن هذه الخطة، استنادا الى مصدر عسكري رفيع في الجيش، أنها تأتي ايضا بعد اسابيع معدودة من الاعلان الرسمي عن استراتيجية الجيش، والتي يفترض أنها تهدف الى تحقيق النصر في أية مواجهة مقبلة. وبالمقارنة، تشكل خطة الاخلاء تحدياً واختباراً لمبادئ تفعيل القوة التي تضمنتها وثيقة الجيش: الردع، الانذار والدفاع والحسم. أضف الى أن الحديث عن الخطة أتى بعدما أتمها الجيش بكامل تفاصيلها،(سيتم نشرها في مجلة الجيش «مِحَنه»)، انطلاقا من فرضية أن المواجهة مع حزب الله، في حال نشبت ستتدحرج الى داخل الاراضي الاسرائيلية. وبالتالي ينبغي، كما نقلت صحيفة معاريف، الاستعداد لهذا الوضع عبر خطة اخلاء سيقدمها الجيش في الفترة القريبة أمام المستوى السياسي.
ايا كان الاطار الذي سيتم وضع خطة الاخلاء ضمنه، لا يستطيع جيش العدو انكار حقيقة أنه لولا اقراره بجدية التهديدات التي اطلقها امين عام حزب الله السيد حسن نصر الله، عندما طلب إلى المقاومين الاستعداد للسيطرة على الجليل في أي حرب مقبلة، لما وجد نفسه مضطرا الى خطوة من هذا النوع.
ولا يستطيع تجاهل أن هذا الاقرار مقرون ايضا بإقرار آخر، ينطوي على ثقة القيادة العسكرية الاسرائيلية بقدرات حزب الله على تنفيذ هذا التعهد. هذا فضلا عن تسليمه بتوفر عنصر الارادة الذي لم تنفع معه كل رسائل الردع التي سبق أن وجهتها اسرائيل بكافة الطرق والاساليب. وعلى ذلك، تأتي بلورة الخطة والاعلان عنها، وتشكل كشفا اضافيا عن اقرار القيادة الاسرائيلية بمحدودية فعالية الردع ازاء حزب الله.
من جهة أخرى، ليس للانذار قيمة بذاته إلا بقدر ما يوفر للقيادة العسكرية والسياسية، الوقت الذي يسمح باستهداف التهديد المحدق قبل أن يترجم عمليا، عبر ضربات استباقية أو وقائية. لكن تكتيكات المقاومة حجَّمت كثيراً من وسائل الانذار التقليدية والتي عادة ما قد تكون مجدية في مواجهة الجيوش النظامية. وتأتي بلورة وتبني خطة اخلاء المستوطنين تعبيرا عن اقرار القيادة العسكرية أمام جمهورها بأنها غير قادرة على توفير الامن والحماية له في أي حرب مقبلة مع الحزب، ليس فقط من الصواريخ وانما ايضا من توغل عناصره في المستوطنات. وعلى ضوء ذلك، لم يعد أمام الجيش من خيار بهدف الابقاء على حياتهم وتوفير الامن لهم، سوى تهريبهم عبر خطة رسمية اعدها الجيش.
وعلى خط مواز، تعزّز هذه الخطوة ايضا من مصداقية الحديث عن تراجع مستوى ثقة الجمهور الاسرائيلي بقدرة الجيش على حماية المستوطنين في مستوطناتهم. وفي المقابل، تكشف الخطة عن أن القيادة نفسها لم تعد تمتلك الثقة بقدرات الجيش الهجومية على استئصال التهديدات المحدقة بالمستوطنات، بما يعفيها من خيار الاخلاء، ولا بقدراته الدفاعية على حماية المستوطنين في مواجهة تكتيكات المقاومة. وفي كل الاحوال، ما نقلته معاريف عن مصدر عسكري رفيع تناول الخطة، يشكل تكثيفا للعديد من الدلالات التي تنطوي عليها الخطة. «التهديد في المنطقة تغير بشكل نوعي والعدو الذي سنواجهه مختلف» في اشارة الى حزب الله. واضاف المصدر أن «هذا الواقع يستلزم تأهيلا مختلفا للمقاتل الذي يحمي المستوطنات، سواء على المستوى المهني أو الذهني».
مع ذلك، ينبغي القول أن خطة الاخلاء تعتبر جزءا من خطة عسكرية أوسع تنطوي على شن هجمات وعمليات دفاع ايجابي وسلبي، لا يقدح بالمعاني التي تنطوي عليها، خاصة أن القيادتين السياسية والعسكرية في تل ابيب، ما كانت لتبادر الى خطوة من هذا النوع، لولا تقديرها بأن عدوها على الحدود الشمالية، للكيان الاسرائيلي، يملك الارادة والقدرة بأتم درجاتها بما يمكنه من تنفيذ تعهداته. وفي المقابل، يدرك هؤلاء ايضا، بأن اسرائيل لا تملك العلاج الشافي لحماية المستوطنين سوى اخلائهم ونقلهم الى الجبهة الداخلية حيث ستلاحقهم الصواريخ ايضا.