من تموز الى آب تتوالى قصص البطولة المتوّجة بدماء شهداء ثبتوا على أرض المواجهة. 2006 عام مرّ على لبنان حاملاً معه معاني العزّة والنصر والشهادة لشعب ضحّى وصمد. لكنّه أيضاً تاريخ يفضح الكثير، عن العمالة والخيانة والذل والرّضوخ. العاشر من آب، يومٌ ليس كسابقاته من أيام الحرب حيث سطّر المقاومون أروع ملاحم البطولات والصمود.
تزامناً مع الصمود الاسطوري للمقاومة وشعبها في وجه العدوان الصهيوني على لبنان، ومع ظهور بوادر الهجوم الاسرائيلي البري على محور المطلة ـــــ سهل الخيام، أصدر العميد في قوى الأمن الداخلي عدنان داود، الذي يرأس مجموعة أمنية مشتركة تتألف من ألف عنصر، مناصفة بين الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي في ثكنة مرجعيون، قراراً بسحب البنادق والمسدسات من أيدي جميع العناصر والضباط وإيداعها مخزن الذخائر داخل الثكنة. هكذا ارتأى العميد الذي يأتمر بإمرة وزير الداخلية آنذاك أحمد فتفت أن يتحضّر للهجوم الصهيوني.
بفضل حنكة وزير الداخلية صاحب الوصاية المباشرة على العميد، وصل الاسرائيليون الى باب الثكنة صباح 10 آب 2006، ليجدوا حرس الثكنة على مدخلها الأساس من جهة بولفار مرجعيون عزّلاً! وبحسب تفاصيل ذكرتها صحيفة "الأخبار" سابقاً عن هذه الحادثة، فإن الداود اتّصل برئيسه فتفت الذي طلب منه بداية عدم التعرّض للصهاينة ما لم يقتربوا أكثر من الثكنة. ليعود ويطلب منه التحدث مع الضابط الصهيوني على باب الثكنة، ثم تتدرّج مطالب فتفت لتُرفع راية الذل البيضاء على ثكنة مرجعيون. حيث سلاح الجيش وقوى الأمن مصفوف في المخازن، والجنود منزوون بعديدهم ولباسهم العسكري. هكذا دخل الصهاينة الثكنة، جالوا على الغرف التي يجلس فيها الجنود خاضعين. لا بدَّ أن الاسرائيلي نفسه لم يكن يصدّق ما يشاهده. حتى استلقى بعض ضباط العدو في محيط الثكنة بين الأشجار. هذه الأشجار التي لطالما خبرها الأعداء أفخاخا للمقاومة لا يجب اللجوء اليها. لكن هذه المرّة، هم يواجهون "دولة أحمد فتفت"، و"استراتيجيته الدفاعية"، لذلك، لا داعي للقلق.
دقائق ويقول الضابط الصهيوني لداود "أتتنا الأوامر بالتمركز داخل الثكنة". العميد الذي حاول الاتصال برئيسه فتفت لأخذ رأيه كان عليه أن يمر بالدوامة التالية، بحسب صحيفة "الأخبار"، "استمهله فتفت بضع دقائق، ليعاود الاتصال به بعد 10 دقائق قائلاً: اتصلت برئيس الحكومة الذي اتصل بوزيرة الخارجية الأميركية التي اتصلت بدورها بسفير بلادها في تل أبيب، الذي تحدّث مع وزير الدفاع الإسرائيلي عامير بيرتس الذي قال إنه لا أوامر لدى الجيش الاسرائيلي بالاستقرار داخل الثكنة. أبلغ داود الضابط الإسرائيلي ما نقل عن لسان وزير دفاعه، فرد الضابط بأنه لا يأخذ أوامره من وزير الدفاع بل من هيئة الأركان، وبأنه ينوي البقاء في الثكنة".
هكذا يهان الجند أمام الأعداء، وهم يستطيعون المقاومة والدفاع عن أنفسهم لو قرروا الاستعانة ببعض السلاح المخبأ في مخازنهم. يتصل الداود مجدداً بفتفت الذي يتفتّق عليه بالقول "تعاملوا على أنّكم أسرى حرب". اتصال آخر من الداود بالسنيورة ابن المدرسة العسكرية عينها التي تخرّج منها فتفت ليعطيه الأوامر عينها "أسرى حرب"!.
انتهى الأمر بالداود مطأطئ الرأس للعدو، يقدّم لجنوده وضباطه "صينية" الشاي، واتفاق على خروج جنود قوى الأمن الداخلي والجيش اللبناني عزّلاً من ثكنة مرجعيون بسياراتهم المدنية والعسكرية. وعند الخروج من جب جنين باتجاه كفريا، تعرّضت القافلة للقصف بتسعة صواريخ، ما أدى الى استشهاد 6 أشخاص.
مشهد الذّل في مرجعيون من سيناريو أحمد فتفت وفؤاد السنيورة، كان يُجاوره على بعد كيلوميترات قليلة، في الوطن عينة، شبّان بعمر الورود، يواجهون دبابات العدو بأجسادهم والصواريخ على الأكتاف. يعاندون طيرانه الحربي، ويكمنون لجنوده وضباطه الذين استحالوا أشلاء على امتداد أرض الجنوب. لكن القضية ليست في المكان ولا في السلاح ولا في الشجاعة -التي لا تنقص عناصر الجيش وقوى الأمن الداخلي الذين سبق أن سطّروا بطولات في الجبل الرفيع ولاحقاً في العديسة- بل تكمن في القرار السياسي لدى مسؤولين يعتبر فتفت أحدهم اختاروا الذل والاستسلام. فكانت حادثة ثكنة مرجعيون ترجمة عملية لنظرية فتفت والسنيورة ومن ورائهما المنادون بـ"العبور الى الدولة"، فيكونون أذلاء كما في مرجعيون.
ومنذ تلك الواقعة.. دخلت الرواية في الذاكرة الشعبية وعلى الطريقة الشعبية من خلال أهزوجة يرددها الصغار والكبار حتى اليوم "أحمد فتفت يا قبضاي.. 2 قهوة وواحد شاي".