لا يبدو أن العدو الصهيوني يمر بأحسن حالاته هذه الأيام، فالساحة الداخلية أو كما تسمّى محلياً في دولة الكيان: الجبهة الداخلية باتت على شفير الانفجار. منذ حرب غزّة الأخيرة العام الفائت اكتشف المجتمع العبري الذي هو بطبيعة ألأحوال مجتمع حرب أن الجيش الذي بناه الآباء الأوائل للكيان لم يعد كما كان، وأن أعداء هذه الدولة باتوا أقوى بكثيرٍ مما كانوا يظنونهم، فضلاً عن أنَّ الأسلحة التي اعتقدوا بأنّها ستحميهم باتت أقرب إلى "الكذبة" منها إلى الحقيقة.
أزمة وحدات الجيش:
سجلت خلال الفترة الماضية أعلى نسبة حالات هروب من الجيش الصهيوني حسبما أوردت القناة الصهيونية العاشرة، ليطل أحد المحللين العسكرييين قائلاً إن هذه النسبة ليست تعبيراً حقيقياً عن "روح" الشعب الصهيوني، وإن مقاتلي الجيش لن يهربوا من واجباتهم، وإن المشكلة لا تعدو كونها "زوبعة في فنجان"، ذلك أن معظم الهاربين هم من المجندين الجدد أولاً، ثانياً إنهم من "القادمين" من أوكرانيا والذين لم "يمتلكوا بعد ناصية الوطنية الصهيونية الخالصة" حسبما قال. لكن ما فات هذا المحلل هو أنَّ هؤلاء الصهاينة الهاربين من الجيش العبري ليسوا أوائل الهاربين، فالنسبة لا تزال منذ العام الفائت هي الأعلى ضمن جيوش العالم المحاربة (حيث يصنّف الجيش العبري كواحد من الجيوش المحاربة التي تبقى على أهبة الاستعداد طوال العام). يضاف إلى ذلك أنَّ هذه النسبة "الهاربة" من الجيش العبري ليست كما ادعى من "الأوكران" الجدد، فالنسبة أيضاً تشتمل على "سكان مستوطنات" بنسبة 12 بالمئة، ويهوداً من أصول إفريقية بنسبة 16 بالمئة، فضلاً عن أعراقٍ متنوعة قد تصل إلى 20 بالمئة. أما المفاجأة فكانت في أنَّ نسبة الهاربين من القبائل البدوية (التي يدفع لها الجيش العبري ويقدم لها كثيراً من الأعطيات) باتت كبيرة مقارنةً بالأعوام السابقة.
يمكن قراءة هذه النسب –جميعها- ضمن اعتبارات كثيرة؛ أبرزها أنَّ الجيش العبري فشل في معاركه الأخيرة فشلاً ذريعاً، فلا هو استطاع في العام 2006 أن يحقق انتصاراً على حزب الله مثلاً، ولا استطاع ايقاف صواريخ حركات المقاومة القادمة من غزّة العام الفائت. ترنحات الفشل هذه دفعت كثيراً من المحللين الصهاينة إلى التنبيه إلى أنَّ البقاء في حالة "الانتظار" والترقّب ستجعل نسبة "الهاربين" من الجندية العبرية أعلى بكثير خلال الأعوام القادمة. من هنا قرر الجيش الصهيوني أن يكثّف من "مناوراته" العسكرية الأمر الذي من شأنه حسب اعتقاده رفع الروح المعنوية، وإعادة الثقة واليقين بأن الجيش العبري قادر على صد أي هجومٍ محتمل من قبل خصومٍ مفترضين.
مناورات "خلبية":
تكمن مشكلة هذه المناورات في أن جيش العدو فعلياً لا يعرف من يريد مواجهته، فهو تارةً يواجه خصوماً يمتلكون طائراتٍ وصواريخ بعيدة المدى، وتارةً يواجه حرب عصاباتٍ ضيقةً داخل مدن، وهذا أمرٌ مشتت للغاية لأي جيش "نظامي" يعمل بعقلية الجيوش الكلاسيكية. وهو أمرٌ أثبت بشكلٍ عملاني أنه لا ينفع في مواجهة مقاومة مدربة على أرفع طرز كالمقاومة اللبنانية وحزب الله، فحروب العصابات بمنهجيتها المعتادة طورها حزب الله كثيراً منذ العام 2006 حتى اليوم، خصوصاً مع التجارب الكبيرة التي يحوزها خلال مشاركته في دحر العصابات الإرهابية في الداخل السوري. وبينما يقف الجيش العبري دون أي تدريب –خارج المناورات- يخوض حزب الله –يومياً- معارك حقيقية بالذخيرة الحية. صحيح أن لهذه المعارك خسائرها إلا أنّها أيضاً تؤمن تدريباً يغني عن مناورات قد لا تحقق المطلوب منها على المدى المنظور.
من هنا فإن ما يتوقعه الصهاينة أو ينتظرونه من هذه المناورات يبتعد كل البعد عما يحتاجه الجيش العبري. يعرف جميع الساسة في الكيان العبري أنَّ هذه المناورات ما هي إلا كذرٍ للرماد في العيون، فهي ببساطة نوعٌ من "الضحك على الذقون" فهي لا تجهز الجيش لمواجهة خصمٍ شديد التمرّس كحزب الله مثلاً، بل حتى لا تجهزه لمجابهة تنظيم "صغير وغير مجرب" كجبهة النصرة، بحسب بوعز بسموت الصحافي الصهيوني.
في الختام، تحاول دولة الاحتلال أن تقنع مواطنيها بأن ما يحدث في الدول العربية هو أمرٌ "مطمئن" وأنهم محميون وبعيدون عن "الأحداث"؛ لكن هذا كله لا ينفع بشيء حينما يقع الصاروخ الأول في قلب العاصمة الصهيونية، يومها سيقع المحظور، وقد نجد أن الطائرات المغادرة لمطار بن غوريون لن تتسع لجميع الراغبين بالرحيل عن السفينة الغارقة.