هم عوائل بالأمس غاب عنهم معيلٌ خلف انتصار الشهادة، فانبرت تكمل المسيرة، على خطى الوصايا الخالدة، ترعى الأبناء؛ رياحين تنمو على مقاعد الدّراسة، وفي جبهات التدريب والقتال.. عوائل تتسلّم اليوم عربون شكرٍ، من سماحة الأمين، هي شهادات تكريمٍ، لأبناء الشّهداء الأحياء.. والشّهداء..
هو جيل الشهيد علي أحمد يحيى، مَن تسامح مِن والده الغائب منذ خمسة عشر عاماً، قائلاً: "سامحني يا والدي لأنّي لا أملك غير دمي لأقدمه لهذا الخط"، ثمّ مشى في خطىً ثابتة، تشبه خطوات أبيه التي تلاها تحرير ال2000، وقضى، في مثل يوم شهادة والده، شهيداً.
هكذا، لم تتوقّف الحياة في بيوت الشهداء أحمد يحيى (أبي ذر)، وعماد مغنية، وفؤاد غنوي، يوم الرّحيل، بل بدأت مسيرة جهاد أخرى، خاضها الأبناء في مسارح غاب عنها الوالد، وحضرت الأمّ، ترعى براعم تعيش الحياة بفصولها وألوانها، لتترك بصماتٍ وضحكاتٍ في مدارس وجامعات ومعاهد، زوّدتهم علماً ومنحوها دماً، فكانوا مثالا للشباب.. والحياة..
وبين الجموع تجلس أمٌّ، تستحضر شريك الحياة الغائب الحاضر، ينظر الى ولده يُكرَّم خرِّيجاً في محضر أمّةٍ صانت الأمانة، ويبتسم. وبقربها تجلس أمُّ أخرى، تلتمس نظرةً من غائبين، زوجها، وولدها، مَن تتسلم عنه اليوم شهادة تخرّجه، متعلّما شهيداً. وهنا رأى السّيد أنّ "من الواجب في البداية أن أتوجه بالشكر إلى عوائل الشهداء الذين احتضنوا أبناءهم، وبالأخص زوجات الشهداء الذين كنّ أمهات شهداء"، وتوجّه بالشكر الى مؤسسة الشهيد وإلى كل الداعمين وفي مقدمتهم إيران.
بدأ السيد حسن نصر الله لقاءه مع أبناء وبنات الشّهداء الخرّيجين بضرورة الثبات على خطى الآباء الشّهداء قائلاً: "في الاحتفال الأول قلت لكم إن أباءكم اختاروا هذا الطريق وجاهدوا وثابروا حتى وصلوا إلى لقاء الله وإن عليكم أن تحفظوا وصيتهم وتواصلوا طريقهم حتى تصلوا إلى ما وصلوا اليه".
وتطرّق السيد نصر الله الى مناسبة عيد الفطر، حين غادر الكثير من العائلات إلى بلداتها وشعرت بالأمن والأمان مع الكرامة والعزة والحرية والإحساس بالوجود، في منطقة مضطربة. وهنا، يجب على كل لبناني، بل على كل مقيم في لبنان، أن يقف مع نفسه ليسأل نفسه عن سرّ ذلك، عن سرّ الأمن والأمان والعزة والحرية في بحر مضطرب، ليأتي الجواب: "بفضل الله بالدرجة الأولى وببركة وسبب شهداء المقاومة والجيش والشعب". وأكّد الأمين انّ لبنان ما كان لينعم بما ينعم به الآن لولا كل هؤلاء الذين استشهدوا على مدى عقود حتى انتصرت المقاومة وتمّ تحصين الداخل اللبناني من الإسرائيلي والتكفيري، ولولا هذه التضحيات والدماء والجرحى والفداء والعطاء". "الحقيقة واضحة، وعلى كل المقيمين في لبنان أن يعرفوا هذه النعمة وأن يشكروا هذه النعمة من أجل أنفسنا لكي تدوم علينا هذه النعمة"، مشيراً الى أن "هذا من أسباب الإيمان القوي الذي نجده في هذا الجيل، الجيل الثالث في المقاومة، الذي يتحدث عنه الإسرائيلي، هذا الإيمان سببه أنهم لمسوا وشهدوا ثمرة هذه الإنجازات وهذه الدماء".