كنا قد أشرنا في مقالٍ سابق كيف أن الجيش الإسرائيلي هو عبارةٌ عن جيش بلا أخلاقٍ أبداً، حتى أنَّ تقرير جولدشتاين الأخير حول الحرب الأخيرة على غزة والعدوان عليها قد أشار كيف أن الجنود الصهاينة كانوا يطلقون النار على كل ما يتحرك دون أي "محاولةٍ" لمعرفة من هو المتحرك، فأصابوا – وأكثر من مرة وبحسب التقرير - جنوداً صهاينةً آخرين. كان الخوف والهلع من دخولهم المستنقع الغزي شديد التأثير على حركتهم، لذلك كانت "العصبية" أقل توصيف، فيما وصف تقرير لجنة تقصي الحقائق للأمم المتحدة برئاسة القاضية المتقاعدة ميري ديفيز بأنَّ ما حدث في غزّة كان أكثر من "حرب" لقد كان "قتلاً" منظماً، وجرائم بكل ما تحمله كلمة جريمة من معنى.
لكن الإعلام العبري لم يستطع تحمّل الأمر بطريقة "رياضية"/خبيئة على عادته، لذلك فإنه سعى وعبر كل وسائله وأدواته إلى أن يقول إن ما حدث آنذاك كان "عادياً" وإن هؤلاء الجنود كانوا "اخلاقيين" أكثر مما ينبغي بحسب مقالة دور متوت في صحيفة معاريف قبل أيام. أما سمدار بات آدام في مقاله في صحيفة إسرائيل اليوم فإنه ينزع ناحية "الظلم" الذي تتعرض له الدولة العبرية من "ظلم" في المحافل الدولية وانها إذا "تساوت" مع "حماس" في التقرير الدولي، فإن في ذلك "إجحافاً" كبيراً بحق "الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط"، في مقابل منظماتٍ إرهابية لا دور لها إلا "تخريب" الحياة للآمنين الصهاينة. هذا نفسه الذي تفعله أريانا ملماد عبر مقالها في صحيفة هآرتس قبل أيام بجمل واضحة المعالم من قبيل: "لكن كل عاقل يرى كيف تتزايد الاحداث الشاذة ـ جندي يشعر بالملل يصفع مواطناً فلسطينياً عند الحاجز، مجندة تتصور معه وهو مقيد بعد أن «قاوم الاعتقال»، ولغاية اطلاق النار عليه بدون تمييز وبدون معاقبته على ذلك". ولكنها تعطف على تلك الأحداث بأنَّ ما حدث هو "انفعالٌ" يحدث في أي "حربٍ" بين أي "متحاربين".
إنها ليست أكثر من حالاتٍ فردية عصبية (بالعودة للتقرير)، وهو ما تحاول الدولة العبرية العمل عليه بكل قوتها، بدءاً من فكرة "الفردانية" إلى فكرة "العصبية" إلى فكرة "التوتر". كل هذا يقودنا بعيداً عن فكرة الإرهاب المنظّم التي تلمع في الأفق. فالإرهاب المنظّم مثلاً والذي لم تذكره المقالات العبرية ولن تفعل بالتأكيد هو ماذا كانت تفعل المقاتلات الصهيونية حينما كانت تقصف بيوت الآمنين في غزّة، مع علمها التام بأن تلك البيوت لا تحوي أبداً أي "ناشطين" من المقاومة (يتجنب الإعلام العبري تسميتهم مقاومين، وغالباً ما يسمون إرهابيين، ولكن يستعمل التعبير "ناشطين" في المقاومة في المقالات التي يدّعي أصحابها أنهم "حياديون" وهو بالطبع أمرٌ غير حقيقي أو دقيق، فلا حيادية في الكيان العبري نهائياً).
يحاول الصهاينة دائماً إخفاء الحقيقة تحت مسميات وحججٍ مختلفة من قبيل أنّ الجمهور "ينسى"، لكن الدلائل لا تزال ماثلةً للعيان حينما أشار أحد الضباط الكبار إبان الحرب على غزة بأن الطائرات الصهيونية تقصف بيوت "الناشطين" في المقاومة بحسب تعبيره للانتقام منهم ومن عوائلهم. آنذاك لم يعلّق الإعلام العبري على "أخلاقية" المعركة، و"أخلاقية" الضربات، بل كانت تلك "تصرفات عسكرية" لا شأن للإعلام بها كما أشارت القناة العبرية الثانية في تقريرٍ لها وقتها.
باختصار يعرف جميع العالم ومن خلال مؤسساته الدولية أنَّ الجيش العبري ليس أكثر من أداة قمعية قاتلة لا جيشاً رسمياً ذا أهدافٍ عسكرية، فضلاً عن كونه لا يستعمل إلا بوجه المدنيين العزّل، وأن طرق تعامله مع هؤلاء المدنين لا يمكن اعتبارها إلا "وحشية" وكل ما عدا ذلك فإنه لا يعدو أكثر من محاولة ذر رمادٍ في العيون.