جديد العنصرية الصهيونية: لا للسفرديم نعم للأشكيناز
عبد الرحمن جاسم
يعرف الجميع أن المجتمع الصهيوني هو مجتمعٌ عنصري قبل أي شيءٍ آخر، فالعنصرية التي تبلغ مداها خلال التعامل مع الفلسطيني لا تطبّق فقط على الفلسطيني أو العربي عموماً بل إنّها تظهر وجهها القبيح (الذي هو الوجه الحقيقي للمجتمع العبري في حد ذاته) ليس فقط من خلال ما ينشر هنا وهناك في الصحف العبرية بل أيضاً من خلال الأحداث المتلاحقة للتعبير عن ذلك.
قبل أسابيع قليلة بدأ ما عرف بأزمة الفلاشا، حيث ثار مجموعةٌ من الصهاينة من أصل أثيوبي في الدولة العبرية واعتصموا لفترةٍ لا بأس بها في عدة أماكن، بعد أن شاهدوا بأم العين كيف يتعامل الشرطة الصهاينة "البيض" مع مجندٍ في الجيش الصهيوني "أسود" البشرة. هم (أي رجال الشرطة) كانوا يعرفون تماماً بأن هذا الجندي لو كان "غربياً" (أي يهودياً من الأشكيناز) فسيكون حسابهم عسيراً، أو حتى لو أنه من السفرديم (أي اليهود الشرقيين) فسيتلقون اللوم، أما أن يكون من الفلاشا؟؟ فذلك يعني أنه لا حساب ضدهم البتة، فليمارسوا عنصريتهم كما يشاؤون!! لكن ما حدث مع الفلاشا ليس موضوعنا اليوم، بمقدار الإشارة إلى مقالٍ شديدة الأهمية للدكتورة ميراف ألوش لبرون (نشر في صحيفة هآرتس في 18 من الشهر الحالي) والذي يحمل العنوان "فقاعة أوروبية بيضاء" حيث تشير إلى الفوارق الجمة بين اليهود الغربيين واليهود الشرقيين، في إشارة إلى أن الغربيين لم يكونوا يوماً "عنصريين" وأنهم لم يتعلموا العنصرية في "مدارسهم" (في إشارة إلى المدارس الدينية الشرقية التي تقود حملة "العنصرة" تجاه الآخرين). وتغوص لبرون أعمق في شرح تلك التفاصيل مؤكدةً أنَّ الشرقيين صحيح أنهم "يقضون أوقات فراغهم في "محسوم ووتش" (أي مراقبة الحواجز الأمنية) إلا أنهم فشلوا حتى اللحظة في "تحقيق" بنيان مجتمعي حقيقي لهم خارج عداوتهم للجميع.
في الإطار عينه يتناول درو أتيكس (هآرتس أيضاً في 26 من الشهر الحالي) الفكرة ذاتها متعاطياً مع المفهوم الثقافي في حد ذاته وعلاقة التبعية التي يمارسها "الشرقي" مع "الغربي"، وهي تلك العلاقة الملتبسة. فاليهودي الشرقي يشعر بأنه "أقل" من نواحٍ كثيرة، لذلك فإنه يلجأ إلى "الشكنزة" (أي التحول إلى أشكينازي أي يهودي غربي)، ومستعدٌ للذهاب عميقاً في ذلك، بأن يتحوّل تباعاً إلى يهودي "غربي" لأجل الحصول على مكاسب كثيرة أبرزها على الأقل "الرضى عن الذات" والقبول "بنفسه" بعيداً عن الضغوطات المجتمعية في حد ذاتها؛ متخلصاً في الوقت عينه "من اسمه، لون بشرته، وحتى أي صلة تربطه أو تذكره بأنه كان يوماً يهودياً شرقياً".
يحصل اليهودي الغربي على "تقدير" أعلى مجتمعياً من مثيله الشرقي، ذلك أنه أتى من بلادٍ أكثر "رقياً" حسبما يرى المجتمع العبري في حد ذاته، الذي تسيطر عليه "قوى" مؤيدة ومتأثرة بالغرب عموماً، فضلاً عن أن "معظم" نجوم هذا المجتمع هي "غربية" بكل المقاييس. من هنا فإن اليهودي الشرقي يجد نفسه أمام حلٍ من اثنين: إما الرحيل أو "التشكنز" وهو يبتعد عن المفهوم الديني بمقدار اقترابه من المفهوم الاجتماعي الحضاري للأمر. هذا الفارق الذي يبدو ههنا دون إشكالية مباشرة قد يقود لنهاية المجتمعات بشكلها المعروف. يؤكد أتيكس أنَّ "المجتمع العبري يتمرغ في عنصرية مقرفة، والموجهة في جزءٍ منها إلى يهودٍ أصلهم من دول الشرق الأوسط". لكن "متلازمة ستوكهولم" (وهي التعلق المرضي الذي يحدث من قبل المخطوفين تجاه خاطفيهم) باتت جزءاً من تلك المشكلة في حد ذاتها، إذ إن هؤلاء اليهود الشرقيين هم ألد أعداء أنفسهم قبل أن يكونوا أعداء لمحيطهم العربي وأصولهم التي أتوا منها بحسب كلامه. يعادي هؤلاء "أنفسهم" قبل أي شيء، لأن المجتمع في حد ذاته لا يسمح لهم بالتصرف عكس ذلك البتة.
لقد أفرزت الانتخابات الأخيرة بشكلها المعروف "زعيماً" سياسياً قدّم نفسه على أساس أنه "الحامي" الوحيد للصهاينة عبر العالم. بيبي نتنياهو حاول كثيراً ونجح إلى حدٍ كبير في نيل أصوات الشرقيين والغربيين (كان الشرقيون هم من حققوا له الفوز على خصمه هيرتزوغ من المعسكر الصهيوني). لكنه في نفس الوقت وإن بدا "متآلفاً" مع الشرقيين إلا أن أصوله "الأشكينازية" كانت مفتاحاً أساسياً له للدخول في الحياة السياسية من أوسع أبوابها (لا يمكن نسيان أن والدته ولدت في الولايات المتحدة الأميركية وهو درس هناك). فهل سيقدّم بيبي للشرقيين شيئاً جديداً؟ يسر العارفون بأن ذلك لن يحصل أبداً، ففي كيان الاحتلال هناك "كيانٌ" مسيطرٌ واحد: الأشكيناز، غير ذلك؟ لا أحد.
في ظل مجتمعٍ شديد العنصرية إلى هذا الحد، هل يمكن للعرب الحياة؟ هل يمكن إجراء سلام مع عدوٍ لا يمكنه تقبّل أبناء أفكاره ودينه نفسه (أحياناً يكونون مجندين في ذات الجيش)؟ تبقى الإجابة واضحةً للغاية للعيان: دولة الاحتلال ليست أكثر من "مستعمرةٍ" كبيرة لم ولن تتحول يوماً إلى دولةٍ كاملة النشوء!