يعرف كثيرون في المجتمع العبري عييليت شاكد. الشخصية الصهيونية المتطرفة أضحت اليوم "وزيرة للعدل". الفكرة قد تبدو نوعاً من الكوميديا السوداء بالفعل، ذلك أن شاكد نفسها تعتبر مصداقاً حياً لفكرة "التطرف" و"المغالاة" و"كره الآخر" فكيف يمكن أن يصبح الذئب قاضياً في قصص الأطفال؟ الأسوأ من هذا كله أنه من المطلوب أن يطيع الجميع هذا الذئب وأن يتعاملوا معه على أساس أنّه "عادلٌ" ومحبٌّ للجميع، وحتى ولو أكل كل الخراف والدجاج، فهذا الأمر "غير مقصود" فهو "عادلٌ" لا بل أكثر من ذلك: وزيرٌ للعدل!
التناقض التناقض
تأتي شاكد من الحزب الصهيوني المتطرف (البيت اليهودي)، وهو أمرٌ متناقض مع كونها "علمانية" وتصرّح بذلك في كل الأوقات. ومع هذه العلمانية فإنها تظل "تصرخ" كل الوقت بأنَّ الكيان الغاصب هو دولةٌ "يهودية"، ماذا في الأمر؟ قد يبدو الأمر خلبياً أكثر من اللازم ومضحكاً إلى حدٍ كبير: العلماني الذي يصرح كل الوقت أنه ديمقراطي مع ذلك "يبشّر" ويشجع على الحياة في دولةٍ دينية عنصرية. لكن هذا التناقض في شخصية شاكد يعود إلى نقاطٍ أكثر أساسية في تركيبها الشخصي البسيط: تنحدر عيليت من أم يهودية روسية من الأشكيناز (أي اليهود الغربيين الذين يحظون بقيمةٍ كبيرة في المجتمع الصهيوني العنصري أساساً) ووالدٍ يهودي عراقي من السفرديم (أي اليهود الشرقيين الذين تقل قيمتهم أمام نظرائهم الأشكيناز، لأسبابٍ غير منطقية مثل كونهم عرباً أو شرقيين وما شابه). هذا التناقض الكبير استمر أكثر، الوالدة كانت معلمة "توراة" لذلك كانت متدينة للغاية، أما الوالد فقد كان محاسباً وبعيداً كل البعد عن التدين. الفتاة خرجت إلى العالم بوجهتي نظر متناقضتين: الأب الكاره للدين، العلماني، لكن الضعيف للغاية، أما الوالدة فهي متدينة للغاية ومسيطرة، ضمن مجتمع يتعامل معها باحترام فقط لأنها "اشكيناز".
تتباهى شاكد بهذا النوع من التناقض، وتعتبره دافعاً لها كي تتحول إلى شخصيةٍ قادرةٍ على تحمل التناقض في الحياة السياسية الصهيونية: العلمانية داخل حزب ديني متطرف، وتعلل ذلك بأنّه اتحادٌ ضد أعداءٍ أخطر بكثير من أي شيءٍ آخر. هي طالبت خلال عدوان الصهاينة على حماس الأخير (العام الفائت) بأن يتم قصف قطاع غزّة بشكلٍ "كامل" وأن "لا يبقى حجرٌ على حجر". وكانت متضايقة للغاية من "تساهل" الحكومة "بعض الشيء" وخصوصاً بعض "الضعفاء" في المجلس المصغّر آنذاك، وأنهم لا يعرفون كيفية التعامل مع "الإرهابيين القتلة" بحسب تعبيرها.
إذاً، تعرف شاكيد بأنها تختلف مع حزبها من نواحٍ كثيرة، لكن ذلك كله لا يخيفها، فهي تعرف بأن الحياة السياسية في الدولة العبرية مليئة بالمفاجآت والدهشة، فهي اليوم في حزبٍ ديني، ستتركه حال لقاء "مركبةٍ" أكثر إفادة وراحة لها، وماذا يمنع قد تصبح "رئيسةً" لحزبٍ هي الأخرى: ألم تنجح قاتلة الموساد تسيبي ليفني، المرأة ذات التاريخ "الأقذر" في الدولة الصهيونية، في أن تصبح رئيسة حزب لا بل وأن تترشح أكثر من مرةٍ لأهم المناصب فيها؟ ماذا يمنعها هي أيضاً من تبوؤ هذه المناصب والحصول على مكانها الذي تريده وتحلم به حتى ولو عبر تسلقها لسلالم الحريديم (أي المتدينين الصهاينة)؟ تجربة التنقّل والتوزع كانت قد جرّبتها خلال مدة عملها كرئيسة تنفيذية لمكتب "بنيامين نتنياهو" (هو الذي اختارها كي تكون وزيرة للعدل في حكومته الحالية). ومع أنها كانت في الليكود ونجحت في انتخابات 2012 كعضو في الكنيست على لائحتهم إلا أنها تركتهم لأجل مكاسب أكبر في حزب البيت اليهودي مع رئيسه نفتالي بينيت. لكن مع هذا استطاعت أن تقنع نتنياهو بقبولها كوزيرة في حكومته، كيف هذا؟ يلمّح كثيرٌ من مراقبين لتلك الحالة بأنَّ "الفتاة طموحة أكثر مما يبدو عليها"، فهي أبقت على علاقةٍ سرية مع "بيبي"، وبقيت قريبةً منه، حتى بعد استقالتها من الليكود، فهي "خطيرة" و"أفعى مجلجلة" وهو التوصيف الذي كان "زملاؤها" في لواء جولاني يطلقونها عليها؛ فهي مستعدة لإطلاق سمها سريعاً في أي اتجاه شرطَ أن تصل لهدفها.
هتلر صغير
تأتي شاكد إلى وزارة العدل في الكيان العبري رداً على تظاهرات الفلاشا (اليهود الأثيوبيين). فهي كانت العضو الأكثر فاعلية في "محاربة" هجرة الفلاشا إلى الدولة العبرية. هي تفضّل وجهاً أكثر أوروبية للدولة، فالفلاشا "كسولون بطبعهم ولا يقومون بما يفيد تجاه الدولة". هذا ما قالته بكل وضوح في حديثها مع صحيفةٍ محلية لتعود وتقول في نفس المقابلة إنها لا تعني الجميع، لكن هذه "سمةٌ عامة" لديهم. أما مع الفلسطينين، ففي العام 2014، أوردت على صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي أن الأطفال الفلسطينيين "هم أفاعٍ صغيرة سامة" داعيةً إلى "عقابٍ جماعي للفلسطينيين، أطفالاً، نساءاً، رجالاً". هذا "البوست" وضع الوزيرة الحالية أمام حشدٍ غاضبٍ من "الجمهور الافتراضي" الذي وصفها بعضه بأنها "هتلر صغير". باختصار، تأتي شاكد كواحدةٍ من الشخصيات الأكثر "وضوحاً" في الكيان الغاصب: عنصرية واضحة، مباشرة في تحديد الهدف مهما كان "قذراً" وفوق كل هذا فغايتها تبرر وسائلها، أليست هذه الصفات التي تجعل المرء، أياً كان: وزيراً للعدل؟