عبد الرحمن جاسم
يعلم الجميع أن الجيش الصهيوني ليس أكثر من جيش لديه دولة، وليس العكس كما في كل بلاد العالم، ذلك أن الكيان العبري ليس دولةً عادية. هم يعرفون بأنهم "محتلون"، ولأنهم كذلك فإن ابقاءهم جيشهم على أهبة الاستعداد والتحضر هو جزءٌ من كونهم دولة احتلال. إذاً باختصار يحتاج هذا الجيش الذي يشكل "دولة" إلى عتادٍ بشري وعسكري حاضر فضلاً عن دفق يومي من البشر يدخلون إلى هذا الجهاز، لأنه بالتأكيد –ونظراً لكثيرٍ من الأسباب- يفقد كثيراً من رجاله يومياً. لكن الفضيحة التي فجّرت قبل أيام وكتب عنها معظم الصحف الصهيونية كانت أكثر من المحتمل، فما هي فضيحة جيش "العدوان" الصهيوني الكبيرة التي لم يستطع أحدٌ إخفاءها؟؟؟
بدأت الحكاية حينما نشر مراسل للقناة الثانية حواراً مع جندي أوكرانيٍ يقول فيه إنه أتى من أوكرانيا كي يحارب لأجل "يهوديته" وإنه ترك كل شيء خلفه في أوكرانيا بهدف حماية الكيان العبري، وهو لن يترك السلاح، وكل هذه الجمل التي توحي بوطنيته وإقدامه. تبارى آنذاك المحللون الصهاينة في التحدث عن مدى ارتباط اليهودي الأوكرانيين بالفكرة الصهيونية وعن أن الأوروبيين الصهاينة أكثر من غيرهم قدرةً على فهم "مفهوم" الدولة والمؤسسات (العسكرية منها والمدنية) وأن ما نراه اليوم هو تحققٌ لحلم "ثيودور هرتزل"(الصحافي النمساوي الذي يعتبره الصهاينة والدهم الروحي) ومؤسسي الصهيونية الأوائل.
لم يكتف الإعلام الصهيوني بتلك المقابلة بل إنهم تعدوا ذلك إلى ملاحقة الجنود الأوكرانيين تباعاً. وبدأوا بمتابعتهم وإظهارهم في مقابلاتٍ أخرى سواء مكتوبة أو مصورة تلفازية. أصبح الجنود القادمون من أوكرانيا حديثاً حديث كل الكيان العبري، حتى إنه بات ينظر إليهم على أساس أنهم "حماة" الدولة القادمون من أوروبا. لكن ما بُني على باطل فهو باطل. هذا هو نسق الأمر. في البداية بدأت صرخات تظهر حينما وجد أحد الصحافيين من "معاريف" أن لبعض هؤلاء الجنود الأوكرانيين ماضياً "رمادياً" بعض الشيء إن لم يكن "إجرامياً" واضحاً وللغاية. لكن ذلك الاكتشاف لم يأخذ طابع "الاكتشاف" الكامل إلا حينما توغل في القضية بشكلٍ أعمق. كان الاكتشاف الصادم أن اليهود الأوكرانيين المهاجرين إلى الكيان الموعود أحضروا معهم واحدةً من "أفظع" خطاياهم: المافيا الأوكرانية.
عرف سكان الكيان العبري المافيا (القادمة من الاتحاد السوفياتي) حينما صُدموا بالوزير نتان شرانسكي ذي الأصول الروسية الذي ثبتت علاقته بالمافيا الروسية وتورطه معها من خلال علاقاته مع رجال أعمال روس مهمين مثل غريغوري لوتشانسكي وغريغوري ليرنر معروفين بعلاقاتهم الرئيسية بتلك المافيا إن لم يكن ترؤسهم لها. فما هي حكاية المافيا الأوكرانية إذاً؟ وما مدى ارتباطها بالجيش العبري؟ هذا ما كشف عنه تقريرٌ لجريدة "يديعوت أحرونوت" (قبل شهرين تقريباً) حيث يشير التقرير إلى أن أكبر عملية "نصب" على الجيش العبري يقوم بها أولئك المجندون من أصل أوكراني بالاشتراك –حكماً- مع المافيا الأوكرانية التي تتقاضى أرباحاً طائلة من جراء عمليات النصب تلك. والقصة تقول إنَّ المجند الأوكراني يأتي إلى الكيان العبري حاملاً اسمه الحقيقي (أو اسماً مزيفاً) ويوقع عقداً مع الجيش العبري مدته خمس سنوات، على أساس أن يتحصل على جنسية وبيتٍ وسواهما، لكنه يطلب منهم ألا يعطوه بيتاً وأرضاً، فهو يفضل "المال" مباشرةً، وفعلاً يتحصل على مبلغٍ كبير من المال (تشير الصحيفة إلى أنه قد يبلغ الخمسين ألف دولار أميركي أحياناً). بعد ذلك بأيام، يختفي المجند، لتبدأ عمليات البحث عنه دون جدوى. والحكاية تقول إن هذا الشخص يذهب إلى المافيا الأوكرانية ويقوم باعطائهم ثلثي المبلغ على أن يحصل هو على ثلثه وتكون هي مسؤولة عن إعادته لأوكرانيا أو اخفائه داخل الكيان العبري نفسه. طبعاً هذا يقودنا إلى أسئلة: ماذا لو أن الكيان العبري وجيشه لم يوافقا على اعطائه مالاً؟ ماذا لو أعطوه بيتاً وأرضاً؟ ذلك أيضاً يصح، إذ إن ملكية هذه المنازل والأراضي ستحول إلى شخصيات وكيانات وهمية تملكها المافيا الأوكرانية وتسيطر عليها كما حدث مع المافيا الروسية سابقاً في عسقلان ويافا وبعض المناطق الأخرى.
يضج الكيان العبري حالياً بهذه القصة التي تعتبر نوعاً من الصفعة الكبيرة التي يتعرض لها الجيش العبري، خصوصاً أن كثيراً من قادته يشتكون من أن الجنود من أصل أثيوبي ليسوا جنوداً أشداء وأنهم يفرون عند سماعهم طلقات رصاص (هذا حدث خلال الحرب الأخيرة مع غزة مثلاً) لذلك يحظون بتلك القيمة التقديرية القليلة في المجتمع العبري. من هنا كانت المراهنة على الجنود الأوكرانيين وسواهم والذين على ما يبدو ليسوا الحل أبداً لمشكلة الجيش الذي كان يوماً لا يقهر!