لا شك في أن السنوات الأربع الماضية مثلت نقطة تحول كبيرة في المنطقة العربية، لكنها في الوقت نفسه قدمت صورة عما يمكن تسميته "المعارك المؤجلة" التي استحضرتها قوى عالمية بأدوات محلية، وأغرقت شعوب المنطقة فيها، إلى حدّ صارت فيه الإجابة عن سؤال "متى يمكن أن تنتهي الأزمات والحروب الجارية؟"، آخر ما يفكر فيه المواطن العربي.
ولعل مقاربة الأمور من زاوية القضية الفلسطينية مهم جداً، مع أن هذا لا ينفي المطالب المحقة التي خرجت بها الشعوب العربية المقهورة، التي لم تتمنّ أن تصل بها الفوضى في المنطقة إلى ما وصلت إليه، أو أن يستغل حراكها ليصير ساحة لتنظيمات لا يعلم أسرارها إلا الله... وأجهزة المخابرات الدولية.
هذا تحديداً ما سعت المقاومة بمعناها الشمولي، وخاصة على الجانب اللبناني والفلسطيني، إلى تجنب المواجهة معه، إذ إن التنظيمات التي كانت ترفع شعار "محاربة الأميركيين" وتعتبر "اليهود" بصورة مواربة من جملة أعدائها، لم يكن أسلوب عملها وأهدافها محل استحسان في السنوات العشرة الأخيرة، بل ما قدمته المقاومة في العراق، مثلاً، مقابل عمل تلك التنظيمات كان مفرق طرق في النظرة إليها، رغم أن إصدارات مرئية كثيرة كانت تقدم بعض الجماعات هي السبب في خروج الأميركيين من هناك. ولكن الفارق الأساسي أن المقاومة، بعملها في العراق أو أي بلاد أخرى، لا تزال ترى في العدو الإسرائيلي أكبر خطر يهدد مستقبل الأمة العربية والإسلامية، كما ترى في فلسطين قضية مركزية لهذه الأمة، وهي ليست نقطة مشتركة مع تلك الجماعات في أحسن الأحوال أو أسوئها، فضلاً عن استحالة المقارنة لجهة السلوك.
كذلك كان ملحوظا أن المقاومة تتجنب الحديث بصورة مكثفة عبر الإعلام عن تلك الجماعات باعتبار أن كل ما يتصل بوحدة الأمة هو أمر مقدس لا يجب المساس به، إلى أن جاءت الاندفاعات الشعبية العربية لتفسح طريقاً واسعة من أجل دخول الجماعات المذكورة، بل وجدت لها بيئة حاضنة عبر ما كان يخزّن في عقول كثيرين داخل زوايا مغلقة أو وسائل إعلام تحريضية، وفي أقل من عامين خرج مخزون إجرامي أدهش العقل الفطري للعرب والمسلمين.
بعيداً عن جلد الذات، لكن المقاومة قصّرت، عن حسن نية، في نشر الوعي المطلوب بين جمهورها أولاً، والمناصرين والمؤيدين لها، مقابل هذا الخطر الذي كان في حالة الكمون. لكن القضية لم تكن الأولوية، فيما اليوم بصورة أو أخرى تقدمت المعركة مع تلك الجماعات على الحرب ضد العدو الإسرائيلي، فالعدو رغم ما يمتلكه من قوة ومخططات لشن حروب في المنطقة، فإنه يظل يحسب لموازين القوى والنتائج حسابه، على عكس تلك الجماعات التي لا تعقل إلا أن تقتل.
واليوم، تدفع المقاومة مجدداً ضريبة فعلها كرافضة للمشروع الأميركي ـ الإسرائيلي، وهي مضطرة إلى خوض معركة الوجود أولاً، والدفاع عن شعوب المنطقة ثانياً، كما يعز عليها تضحيات شبابها في زهرة أعمارهم، وهم من كانوا محضرين للقاء العدو "الأصيل"، على أن هذه الحرب التي للأخير يد كبيرة فيها، لا تقل أهمية عن المعركة الأساسية.
على سبيل المثال، يمكن الإشارة إلى أن جهل كثيرين بدور سوريا في العمل المقاوم وبقاء ذلك بعيداً عن الإعلام لاعتبارات أمنية كثيرة، جعل مهمة شرح الدور السوري معقدة، بل جاءت في وقت متأخر دخلت فيه المقاومة مواجهة متسارعة الأحداث.
ورغم أنه من الصعب بمكان إقناع قطاعات عريضة من الجماهير العربية، بأن الأطراف المتحاربة الآن ليست على حد سواء، ولكنّ يوماً ما سيأتي ويعرف كثيرون أن أبناء الأرض التي يعرفونها، حتماً، ليسوا كمن "هاجروا" إلى مقصد غير صحيح.