وئام أحمد
قد يخيل للقارئ عند سماع ذلك أن هذا أمر عجيب، كيف ذلك، والمقاومة قد عرف عنها على مر السنوات الطويلة في مواجهة العدو الإسرائيلي أن سر نجاحها وقوتها هو في سريتها "واستعينوا على قضاء حوائجكم بالسر والكتمان"...
حتى هذه الأيام وجعبة المقاومة ما تزال تحتفظ بالكثير من الأسرار التي لا تزال لغزاً محيراً للعديد من الأجهزة الأمنية في العالم وخاصة العدو الصهيوني، الذي تلقى منها آلاف الضربات الموجعة خلال احتلاله للبنان الأمر الذي أدى في نهاية الأمر إلى دحره ذليلاً عن أرض لبنان يجر وراءه أذيال الهزيمة وقد تشرد عملاؤه من "جيش لبنان الجنوبي" بين السجون اللبنانية وبين أراضي فلسطين المحتلة وفي ذاكرتهم وصمة عار كبيرة لأن "جيش الدفاع" الذي خدموه بإخلاص طوال تلك الفترة قد تخلى عنهم برمشة عين، كما عبّر أحد العملاء وهو يرحل عن لبنان هارباً " كنا متوقعين ننكحت بس بشرف!".
نعود للسر المدفون لنعرف ما هو.
منذ سنوات عدة عاد ذلك الشاب البقاعي، الذي عايش مرحلة المقاومة في بداياتها، من الجمهورية الإسلامية الإيرانية حاملاً معه رسالة الدكتوراه في الإخراج السينمائي من جامعة الفن في إيران. الدكتور رضا إسكندر هو ابن مدينة الهرمل التي قدمت من الشهداء الكثير على مذبح التضحية. كانت أولى الأفكار التي راودته كثيراً خلال فترة دراسته في إيران هي كيف يشارك المقاومة، الآن وقد انتهت الحرب واندحر الاحتلال، في ذلك الجهاد الذي عايشه في بداية حياته هو، وقد درس لعدة سنوات كيف يحارب من خلال الصورة. كانت الفكرة تتجلى في البحث عن أسرار المقاومة الخفية وتقديمها للناس بالطريقة المثلى ألا وهي السينما.
إنكب مع عودته الى لبنان على استكمال سيناريو فيلم سينمائي يحكي إحدى قصص المقاومة التي استمرت سراً لسنوات عديدة، وهي قصة الاستشهادي عامر كلاكش " أبو زينب"...
لمن لا يعرف أبو زينب فهو ذلك الشاب الجنوبي الذي قدم نفسه قرباناً على مذبح الشهادة في عملية استشهادية نوعية حيرت الصهاينة لسنوات كثيرة حتى أعلن سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في أحد الاحتفالات عن اسم ذلك الاستشهادي بعدما كان اسمه طي الكتمان.
السر المدفون هو إنجاز سينمائي جديد ينضم الى قافلة أفلام ما عرف بـ "سينما المقاومة" بعد عدة مسلسلات وأفلام روت بعض الحقبات من تاريخ المقاومة مثل: سلسلة الغالبون 1-2 - أهل الوفا- حبل كالوريد - 33 يوم - أفلام رصاص....
ما يميز فيلم السر المدفون الذي أنتجته شركة الأرز هو أنه يعد نقلة نوعية من مرحلة السرد التاريخي الى مرحلة صناعة الدراما الإنسانية. ربما يكمن السر فيه أن القصة التي بنيت عليها الحبكة الدرامية تتمتع بكافة العناصر الفنية وبشكل قوي. وقد أجاد كاتب السيناريو في تقديم هذه الأفكار بشكمتسلسل وسلس ليعيد بناء التاريخ من جديد، فالمشاهد من خلال الفيلم يشعر وكأن تاريخ الشهيد أبو زينب يتجسد أمامه، حتى أنه يشارك والدته في حمل السر الذي حجب عن كل أفراد العائلة ومنهم الوالد، كما ينتقل مع أخيه العائد من الغربة الى مراحل الصراع... هذه هي جمالية السينما..
من حيث الموسيقى فقد تنقل مؤلفها بشكل مرن على أوتار القلوب، ونجح في العزف على قيثارة المشاعر بأنامل خفية تجعل الروح تحلق على جناح الطير. وبالتوازي مع ذلك كان إبداع المخرج الإيراني علي غفاري، ومن غير الإيرانيين يجيد إبداع الصورة وصقل المشاهد لتقديم الأفضل؟
السر المدفون هو فيلم سينمائي يصلح ليطرق باب العالمية ويعرض في سينمات العالم، لأنه ينقل حكاية صغيرة من حكايا المقاومة بأسلوب محترف. كما أن اعتماد المخرج على الوجوه اللبنانية المعروفة التي لها باع طويل في تجسيد شخصيات المقاومة مثل باسم مغنية وعمار شلق وغيرهما قد أضاف قيمة جديدة على ذلك.
الجدير ذكره أن هذا الفيلم قد عرضته الجمعية اللبنانية للفنون نهار الإثنين في 23 آذار 2015 على مسرحها بحضور وزير الثقافة الإيراني الدكتور على جنتي وجمع كبير من نجوم الشاشة اللبنانية والوجوه الإعلامية المعروفة. وهذا العرض كان العرض الافتتاحي ليستمر فيما بعد ويعرض في صالات السينما اللبنانية وفي كافة المناطق.
بطاقة الفيلم:
هو فيلم سينمائي يتحدث عن أم جنوبية حملت معها سر استشهاد ابنها "أبو زينب" لعدة سنوات دون أن تخبر حتى والده متحملة مع ذلك كل الأذى الذي تسبب به الاحتلال في محاولة الضغط عليها للإقرار بهذا السر حتى أعلنه سماحة الأمين العام على جمهور المقاومة.
من إنتاج : شركة الأرز
بطولة: باسم مغنية - عمار شلق- كارمن لبس - يوسف حداد - علي كمال الدين
سيناريو: رضا إسكندر – محمود غلامي
موسيقى : علي موسوي
إخراج: علي غفاري