نستكمل حديثنا عن رواد سينما الدفاع المقدس، وننتقل للحديث عن مبدع آخر عرفته سينما الجبهة في إيران وهو "رسول ملا قلي بور"..
ولد في سنة 1955 في طهران. لم يتابع دراسته الثانوية، فبدأ بمهنة التصوير كهواية منذ بدايات الثورة الإسلامية في إيران وواصلها بشكل محترف مع بداية الحرب. بعدها انتقل الى إخراج أفلام وثائقية عن الحرب والعمليات الحربية. أخرج فيلماً قصيراً بعنوان (الشاه الصغير)، وأخرج فيلمه الطويل الأول سنة 1984 باسم "نينوا" مخترقاً عالم السينما المحترفة. توفي سنة 2007 إثر أزمة قلبية مخلفاً وراءه أرشيفاً مهماً زاخراً بالأعمال الإبداعية السينمائية.
سنة 1985 أخرج فيلم (زورق باتجاه الشاطئ) ويحكي قصة الزورق الذي تمركز حول مدينة خرمشهر التي احتلها العراقيون في بدايات الحرب.
أخرج فيلم " عروج في الليل" سنة 1986 وحصل الفيلم على جائزة أفضل فيلم في الدورة الخامسة من مهرجان الفجر السينمائي الدولي. أما سنة 1988 فأخرج "أفق". وقد برز كثيراً في إخراج هذا الفيلم، وهو يتطرق الى عمليات لفريق الغوص الإيراني من أجل تدمير منصة ميناء للعدو.. ينتهي الفيلم عندما يتمكن الجنود الإيرانيون من تدمير المنصة.
حاول ملا قلي بور أن يتماشى مع الظروف السائدة في أيامه، وأن يعالج مشاكل اجتماعية متعلقة بوضع القنابل، والأوضاع الأمنية في البلد بعد الثورة، وذلك من خلال إخراج لفيلمي "مجنون" سنة 1990 و"خسوف" سنة 1992 .
"بناهنده" أي (اللاجئ) فيلم أخرجه ملا قلي بور سنة 1993، وقد قوبل بترحيب كبير من قبل النقاد. وهو قصة زوجين هربا الى إيران بعد أن أمضيا سنين في الخارج، وكانا من الناشطين في إحدى الفرق المعارضة للنظام، لكن أحد رجال الفرقة تبعهما الى إيران من أجل قتلهما..
سنة 1995 أخرج فيلم "المنقذون" أما فيلم "السفر الى جزابه" فلم يلق نجاحاً مهماً في العرض العام، رغم حصوله على بعض الجوائز. وفي الفيلم طلب وحيد الذي يخرج فيلماً حربياً من صديقه الموسيقي علي أن يؤلف موسيقى خاصة بالفيلم بعد أن يشاهد بعض أقسام فيلمه الجاهزة..
أما فيلم "ساعدني" الذي أخرجه ملا قلي بور سنة 1997 فهو أسوأ فيلم له، وهو فيلم اجتماعي يتحدث عن فتاة كلفت بقتل رجل لكن حباً نشأ بينهما.
عاد ملا قلي بور ليحصد جوائز في المهرجانات عندما أخرج فيلم "هيوا" سنة 1998، حيث حصل الفيلم على جائزة أفضل مخرج، وأفضل فيلم. وهو يتحدث عن امرأة فقدت زوجها في الحرب، ولم تحصل على خبر منه، فذهبت تبحث عن أي أثر له.
في السنة التالية أي سنة 1999 أخرج فيلم "الجيل المحروق" الذي اعتبره الكثيرون إنجازاً كبيراً له، وهو يحكي قصة مأساة فتاة في آخر أيام الشاه القاجاري تتزوج وتصبح أماً وتستمر مأساتها وتنتقل الى ابنتها التي تعيش الى ما بعد الثورة. إنها مأساة تنتقل من جيل الى جيل آخر فتعيش الأجيال في اضطراب دائم.
سنة 2001 أخرج فيلم " الفطر السام" الذي يتطرق الى أيام ما بعد الحرب، والقيم التي تعرضت للنسيان، وتحولت الى أمور أخرى، تتناقض والقيم الماضية، وذلك من خلال حياة مهندس من قادة الحرب، تعرض لاحتيالات وأكاذيب من بعض أفراد المجتمع، وقتل في نهاية الفيلم.
"المزرعة الأبوية" هو فيلم آخر أخرجه ملا قلي بور سنة 2003، وفيه يدعى الكاتب محمود شوكتيان لحضور جلسة لنقد كتاب له عنوانه "المزرعة الأبوية" وليحاضر في مؤتمر أدبي عن أدب الجبهة. وخلال سياق الفيلم ندرك أنه فقد زوجته وولديه جراء قصف من قبل طائرات العدو، فأصبح يعيش مع خيال أفراد عائلته ويتخيل أنهم لا يزالون على قيد الحياة، ويتذكر صور الحرب والعمليات الحربية التي فقد بسببها أصدقاءه خلال سفره.
بالرغم من أنه قيل إن ملا قلي بور سيودع سينما الجبهة مع فيلم "المزرعة الأبوية" لكن فيلمه الأخير وهو "ميم مثل مادر" الذي أخرجه سنة 2006 يتضمن أيضاً آثاراً من الحرب، إذ إنه يعالج فيه قصة امرأة شابة حامل أصيبت بغازات كيماوية وتصر على تربية ابنها الذي لا ينجو من آثار مرضها وهو من أجمل أفلام المخرج الإنسانية.
يلاحَظ في أفلام المخرج أنه قد ركز على دور المرأة في أيام الحرب وذلك من خلال ثلاثة أفلام اعتبرت من أهم أفلامه. وقد توفي المخرج حينما كان فيلمه الأخير لا يزال يعرض على شاشات السينما سنة 2007 تاركاً بصماته في تاريخ سينما الدفاع المقدس الإيرانية.