عبد الرحمن جاسم
أطلق النائب العربي في الكنيست الصهيوني (البرلمان) أحمد الطيبي تصريحات قبل أيامٍ مفادها أن الدولة العبرية دولةٌ عنصرية، ولكنها تكون "ديمقراطية" في يومٍ واحدٍ هو يوم الانتخابات. يبدو الكلام هذا خلبياً إلى حدٍ كبير، مخادعاً إلى حدٍ أكبر، إذ إن الكيان المحتل هو "عنصريٌّ" في كل أيام السنة، وفي يوم الانتخابات (يوم انتخابات الكنيست العشرين) يكشّر عن أنيابه بحقدٍ أكبر من المعتاد: يمكن النظر إلى الأمر مثلاً من خلال زيارة وزير الخارجية الصهيوني الأسبق أفيغدور ليبرمان المرشح الحالي عن حزب إسرائيل بيتنا إلى الحرم الإبراهيمي الشريف. هذه السلوكات لا تزيد إلا من حقد "الصهاينة" أنفسهم على العرب، حيث تتم ببساطةٍ "شيطنة" العرب ووصفهم بأشنع الصفات فقط لكسبٍ صوتٍ والحصول على تأييدٍ من ناخب. لكن ما هو الحل؟ هل هو فعلاً من خلال التجمّع في قائمةٍ واحدةٍ بمواجهة الأحزاب الصهيونية، أم أن الأنسب هو ما قام به كثيرٌ من اتجاهاتٍ سياسية في الداخل الفلسطيني (مثل حملات المقاطعة للانتخابات التي تقوم بها حركتا "كفاح" و"أبناء البلد") من حيث مقاطعة الانتخابات بشكل كلي؟ هنا يمكن تحليل الأمر بصورةٍ أكثر تناسبية. تكسب الدولة العبرية الكثير من خلال السماح للفلسطينين العرب المشاركة في انتخاباتها، تلك أبرز صورةٍ ودلالة على أنَّها ليست دولةً عنصرية، فهي تسمح بحسب كلامهم للأقلية العربية في انتخاب ممثليها، وبحريةٍ بالغة. هكذا يصوّر الأمر، وكل ما يحتاجه الكيان هو "مشاركون" عرب (مرشحين ومنتخبين) كي تكتمل الصورة وترسل إلى الغرب لتنضم إلى جوقة البروباغندا وتصبح جزءاً من نفس الماكينة التي تلمّع صورة الكيان الغاصب. حيث يكمن السؤال الواضح هنا: كيف يمكن إقناع أي أحدٍ أنك أمام كيانٍ عنصريٍ قبيح وفي الوقت نفسه أنت تشارك فيه وفي حكوماته وفي كل القرارات التي تصدر عنه؟ إذاً باختصار تكمن المشكلة في المشاركة في حد ذاتها قبل أي شيءٍ آخر.
إن توقف العرب وبشكلٍ كلي ونهائي عن المشاركة في الانتخابات العبرية وعدم تصويتهم لأي مرشحٍ من شأنه أن يطلق أصواتاً كثيرةً في العالم حول أن ما حدث هو مثيرٌ للانتباه والأهمية: فالأقلية العربية (التي ليست أقليةً أبداً حيث هناك مليون و600 ألف عربي ما يشكل 20 بالمئة من الوجود البشري في كل الدولة العبرية) ترفض هذه الانتخابات الوهمية والكاذبة والتي لا يشكّل العرب ثقلاً "سياسياً" حقيقياً فيها. اللافت في الأمر أن الحزبين الرئيسيين (اللذين سيشكّل أحدهما الوزارة فيما بعد) أي الليكود والمعسكر الصهيوني يتجاهلان وحتى يرفضان وبشكلٍ قاطع الحديث عن أي تحالفٍ مع القائمة العربية الموحدة حتى وإن فازت بمقاعدها الـ13 المتوقعة (من أصل 120 نائباً). هذا الأمر كان قد أعلنه صراحة كل من هرتزوغ ونتنياهو بشكلٍ واضحٍ وصريح. يظهر هذا وبوضوح النظرة الصهيونية الدونية والعنصرية تجاه العربي "المشارك" في تلك الانتخابات ودوره.
تتكون القائمة العربية من أربعة أحزاب/اتجاهاتٍ فلسطينية كانت تخوض الانتخابات بشكلٍ منفردٍ في السابق، لكنها قررت أن تخوضها متشاركةً هذه المرة للوصول إلى قوةٍ "كتلية" محددة وهي: الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، الحركة العربية للتغيير، والتجمع الوطني الديمقراطي، والجناح الجنوبي للحركة الإسلامية (لأن الجناح الشمالي للحركة والذي يقوده الشيخ رائد صلاح يرفض المشاركة بشكلٍ قاطع في الانتخابات). ورغم الإعلانات الكثيرة من النائب في الكنيست أحمد الطيبي والمحامي أيمن عودة (من الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة) الذي يترأس الكتلة بأكملها بأنهم سيكونون القوة الثالثة في الكنيست وبأنّهم سيقفون نداً لأي قراراتٍ ستكون ضد مصلحة الفلسطينيين، فإنّهم تناسوا كثيراً أن هناك خلافاتٍ كبيرة بين أطراف القائمة في حد ذاتها، فبين فكرة القبول بثنائية الدولة (عبرية/عربية) التي يقبل بها الطيبي مثلاً ويرفضها بشكلٍ قاطع زملاؤه في الحركة الإسلامية مثالاً، أو فكرة المقاومة المسلحة التي يتناوب النقاش فيها كثيراً، ماذا عن الخلاف شبه الجذري بين الإسلاميين في الحركة الإسلامية والشيوعيين القادمين من "حداش" (الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة) أو القوميين من التجمع الوطني الديمقراطي؟
هناك أمورٌ مشتعلة للغاية بين "الحلفاء" العرب في هذه الانتخابات، وهي خلافاتٌ جذريةٌ حقيقية وليست مجرد كلامٍ في الهواء، وستظهر على العلن إذا ما استغلها أي "محتاجٍ" صهيوني لانضمام "حلفاءٍ" له من خلال تفريغ القائمة المشتركة. هذا الأمر من الممكن حصوله إذا ما تنبه أي جناحٍ صهيوني حاجته لنائبٍ أو اثنين كي يكمل تشكيل الوزارة، فما الذي يمنعه من الاستعانة بطرف منها؟ لا أحد يضمن ذلك. فكما أشرنا إنَّ الاختلافات هي أكبر من مجرد أمورٍ شكلية. أضف إلى ذلك تلك الأمور "الإشكالية" القاتلة من نوعية: إذا ما قررت أي حكومة يشارك بها "العرب" أن تشن حرباً على دولةٍ عربية، أو على قطاع غزّة مثالاً، ماذا سيكون موقفهم؟ هل سيمتنعون عن التصويت، أم سيصوتون، وهم يعلمون علم اليقين أن قرارهم سيكون "بلا قيمةٍ" تماماً؟ هل سيصبحون مشاركين رغماً عنهم في قتل شعبهم؟ كلها أسئلة سيتم الإجابة عنها خلال أيامٍ قادمة، وسيتحدد تماماً شكل المشاركة العربية في هذه الانتخابات، فهل كانت صائبةً أم أنها "همٌ" جديد يضاف إلى هموم القضية الفلسطينية؟