جُنَّ رئيس وزراء العدو الصهيوني بنيامين نتنياهو فعلاً، فهو كان قد أطلق قبل أيام جملة مفادها أن العالم بأكمله يقف ضد إعادة انتخابه رئيساً للوزراء مرةً أخرى. ولم يسمع ردة فعلٍ في أية مواقع / محطات / قنوات تلفزة عربية على هذا التعليق شديد الغرابة، رغم أنّ أغلب هذه القنوات والمحطات يمارس نوعاً من التغطية الدائمة للحدث العبري. ومن نافل القول إنه لو كان هذا الرئيس "عربياً" ومعارضاً لتلك القنوات لكنا شاهدنا ردة فعلٍ مختلفةٍ. لكن الصهيوني اليوم ليس عدواً لأحد في الخليج العربي على ما يبدو.
وبالعودة إلى "الانتخابات" العبرية التي ستحدث خلال أقل من خمسة أيام، يبدو أن نتنياهو لن يفقد منصبه فحسب، بل إنّه سيفقد عقله معه! لقد بات الرجل يعرف بأنه بحاجةٍ لحلفاء أكثر قوة، فنادى وبكل سرعة كي يعود موشيه كحلون (رئيس حزب كلنا) الذي كان في الليكود سابقاً، وقرر أن يعرض عليه وزارة في الحكومة القادمة، مؤكداً عبر كل وسائل الليكود الداخلية والخارجية، الإعلامية وسواها، أن الرجل بات في جيبه. كانت المشكلة الكبيرة أن كحلون رفض الأمر جملةً وتفصيلاً (حتى لحظة كتابة المقال) فهو يعتقد بأنه يستطيع الحصول على أصواتٍ ومقاعد أكثر تؤهله لمنافسة "الليكود" وزعيمه "بيبي". لماذا يريد نتنياهو كحلون؟ لا يعرف الجمهور العربي كحلون كثيراً لكن الجمهور العبري يعتبره بطلاً "اجتماعياً" كبيراً.
استطاع كحلون حين إشغاله وزارة الاتصالات التخلّص من العقود الاحتكارية للشركات على الهواتف الخليوية فخفض التعرفة والأسعار بشكلٍ كبير. يحتاج نتنياهو إلى هذا "الإنجاز" وبطله كي يحصل على أصوات ناخبين أكثر. لكن ما يفوت رئيس الوزراء الحالي أن كحلون يؤمن بحل الدولتين (صهيونية وفلسطينية)، الأمر الذي يرفضه هو وبشدة. لكن حتى هذا الموضوع يمكن "الدوران" حوله كما يشير أكثر من مصدر ليكودي، فكحلون وحتى اللحظة "لا يرى أي شريك حقيقي للسلام فلسطينياً". ماذا إذاً عن زعيم حزب "البيت اليهودي" المتطرّف نفتالي بينيت كحليفٍ قويٍ؟ يعلم الجميع بأن بينيت السياسي الجذاب يجمع بين قلب "الديني / المتطرف" وشكل "المتحضر والمثقّف"، كيف لا وهو صاحب شركة كمبيوتر ذات قصة جديرة بالأحلام: شركة صغيرة، شاب متدين يهودي "لطيف" أصبح في أيامٍ معدودات مليارديراً. كان بينيت قد أطلق عدّة تصريحاتٍ في الصحافة العبرية قبيل الانتخابات منها أنه (وحزبه) ليسوا لقمةً سائغةً لأحد وأنه لو لم يكن قوياً ولديه القدرة لما اختار أحدٌ التحالف معه (لديه 12 مقعداً في الكنيست). طبعاً هو كان يلمّح إلى ذكرى فوز حزب كاديما بزعامة تسيبي ليفني آنذاك (قبل انتقالها إلى حزب حزب هتنوعا "الحركة") بالانتخابات العام 2009، وتنحيها عن رئاسة الوزارة لأنها لم ترد التحالف مع أحزاب "دينية" آنذاك ما أعطى السلطة لقمةً سائغةً لنتنياهو. لكن الأفق ليس صافياً هذه المرة لنتنياهو والليكود. هكذا تشير استطلاعات الرأي داخل الدولة العبرية، حيث إنَّ "المعسكر الصهيوني" بقيادة إسحاق هيرتزوغ (من حزب العمل) وتسيبي ليفني (من حزب الحركة) سيتصدر الانتخابات القادمة، وسيشكل الحكومة الجديدة.
يأتي المعسكر الصهيوني كخصم يختلف عن الخصومٍ المختلفين السابقين. فحزب العمل لم يعد كما كان، وأيام الصراع التاريخية "الكلاسيكو" بين العمل والليكود قد غابت عن هذه الانتخابات (أو لربما لغير رجعة). كما أن هرتزوغ ليس زعيماً "شعبياً" أو قائداً أو حتى خطيباً مفوهاً، كما أن المجتمع العبري وحتى اللحظة لا يثق بامرأة ليضعها على سدة رئاسة الوزراء بعد مرحلة غولدا مائير. ويشير كثيرون إلى أن ليفني نفسها كادت أن تكون كذلك في 2009، لكنها كانت تعلم مقدار التنازلات التي طلب منها تقديمها للأحزاب الدينية والتي علّق عليها آنذاك بن كسيبت بأنّها لو كانت "رجلاً" لأعطتها الأحزاب الدينية أصواتها دون أي مقابل. لكن ماذا يجعل هؤلاء خصوماً حقيقين لنتنياهو؟ الأمر سهلٌ للغاية للناخب الصهيوني: فبيبي يذكّر الصهاينة بالفشل والضعف وفوق كل هذا "يعادي رئيس أكبر دولةٍ في العالم". على الجانب الآخر يبدو ابن حاييم هيرتزوغ (الرئيس السادس للدولة العبرية) إسحاق، مباشراً، لا يدور ولا يلف، ويعرف من أين تؤكل الكتف. يريد اتفاقاً مع حماس، لربما سيوقف الاستيطان، ولربما لا، لكنه يستطيع أن يعد الجمهور الصهيوني ببعض الأمان الاجتماعي والإقتصادي الذي لن يوفره رئيس الوزراء الحالي. وهو كان قد تحدث في غير وسيلةٍ إعلامية عن "طموحاته" الاقتصادية. تعد ليفني من جهتها (ستحكم هي سنتين وهيرتزوغ سنتين بحسب اتفاقهما) بأن أيامها ستشهد هدوءاً ورخاءً، وأكثر من ذلك فهي وفي مقابلةٍ لها في الصحيفة العبرية جيروزليم بوست (البارحة الخميس 12-3-2015) أكدت أنها والمعسكر الصهيوني الأقدر على إيقاف "طموحات إيران النووية". إذاً يعيش نتنياهو أياماً مرعبة، لكن هذه المرة يبدو أن الفشل ليس الرفيق الجديد للرجل، بل إنه بعض "جنون"، من الصراع مع أوباما، إلى الحروب العبثية إلى العمليات العسكرية غير الدقيقة والمنسَّقة، إلى مغامرة خطاب الكونغرس واللهاث وراء النووي الإيراني. من يقرأ الساحة العبرية جيداً يعرف كيف يكون شكل الانتحار السياسي، وحده نتنياهو لا يزال يكابر!