وئام أحمد
عذراً أخي حسن فحياتك لن تستطيع الأسطر أن تحتويه، ولن أقدر على سرد كل شيء عنك، لكني في هذه العجالة من الزمن سأحرص على تأخيره وأروي الكثير..
كتاب التاريخ سجّل اسمك كما كل الشهداء بأحرف من نور. وكفاه فخراً أن ضم بين صفحاته هذه الأنوار المحمدية...
لمن لا يعرف حسن، من هنا تبدأ الحكاية...
ولد حسن عبد الله عام 1982 في قرية جنوبية شامخة اسمها عيترون، حيث عاش طفولته البريئة يلعب في حقولها، ويسامر عصافيرها. ومع نسائم الصباح تفتحت عنده براعم النبوغ والميل نحو الفن الأصيل، كيف لا وقد تنشق من عبير الصمود والعنفوان، وعايش في مرحلة البراءة والنقاء قساوة الاحتلال الصهيوني لتراب الجنوب، فكانت هذه بدايات تكوّن شخصية حسن، وبدأت معها ترتسم معالم دربه المستقبلي، حتى قادته ظروف الحياة الى المدينة، فترك الطبيعة الى أحضان البنايات، وأنهى في مدارسها مراحله التعليمية الأساسية حتى صف البكالوريا القسم الأول، ومن هنا كانت البداية...
حسن لم يستطع أن يسكت بينما سكت الكثيرون، لأن تلك المرحلة كانت تتطلب الأشداء، فانبرى للقيام بواجبه الجهادي كأي شاب مجاهد حمل دمه على كفه دفاعاً عن الوطن وذوداً عن كرامة شعبنا وعرضنا. عاد حسن الى أحضان الطبيعة ولكن مقاوماً مجاهداً، يخضع للدورات العسكرية واحدة تلو الأخرى حتى ترك في كل ميدان تدريب ذكريات متراكمة تحت شجرة البلوط، أو تحت صخرة شامخة كان حسن يلقي بجسده على بلاطتها الخشنة الغليظة، مثقلاً بالتعب الممزوج بعرق العزة، ولكن مع هبة نسيم العصر كانت تتصاعد أنفاسه بكل حنين ولهفة ويسرح بنظراته مع خيول الغيوم وذرات الغبار مسابقاً مدى النظر...
بعد مرحلة التدريب العسكري بدأ كرار أول مهمة فعلية له في الخط الجهادي مصوراً في الإعلام الحربي للمقاومة عام 1999 حيث كان أصغر مصور شاب في هذا المجال، وكأن النصر الذي تحقق على يد المقاومة الإسلامية الغرّاء عام 2000 أبى أن يتمم أيامه من دون أن يكون لحسن نصيبه منه، فكرار قد صور آخر العمليات العسكرية النوعية مثل عرمتى والبياضة وموقع علي الطاهر بكاميرا تقليدية (كاميرا بدائية محمولة) جاهداً في تسجيل أهم اللحظات التي خاضها المجاهدون خلال تلك العمليات.
بعد التحرير المظفر واندحار الاحتلال تابع حسن مسيرته الجهادية فشارك في حرب تموز 2006 مجاهداً ومصوراً حتى عام 2010 حيث أكمل جهاده ولكن في ميدان آخر وهو العمل الفني الإعلامي، حيث عمل في قناة المنار كمنتج ومخرج في مديرية المقاومة. ومسيرته الفنية كانت زاخرة بالأعمال التي طالما أحبها حسن. ولم يبتعد عن عشقه للجهاد. تعب حسن كثيراً حتى احترف العمل على البرامج الفنية المتعلقة بالمونتاج وإظهار الصورة فاكتسب بكل جدارة صفة المخرج الذي تعلم من الحياة ومن سمة أساسية أخرى وهي عشقه لأهل البيت (عليهم السلام)، وله معهم قصص وحكايا، فعندما كان يعرف أن هناك صديقاً له يزور أحد المراقد المقدسة في العراق أو إيران كان يحمله سلاماته الممزوجة بالعشق واللهفة، أما علاقته بالإمام المهدي فكان لها سحرها الخاص، وهو قبل استشهاده وبينما كان يتحدث مع أحد الأصدقاء كان يردد له إنه يوم صاحب الزمان، تعجب الأخ، وعندما لاحظ إصراره على تكرارها أذعن موافقاً متعجباً. ما كان حسن يراه ويفكر به وقتها لا يعرفه سوى الله...
ولنحاول تلمس شذرات من علاقة حسن بصاحب الزمان (عجل الله تعالى فرجه الشريف) نذكر هذه الحادثة الواقعية: " بعد شهادته المباركة أقامت إدارة المدرسة، التي يدرس فيها أبناؤه، احتفالاً تأبينياً لوالدهم الشهيد، فجاءت إحدى المعلمات وقالت لأحد أبنائه: " يمكن يمرق وقت طويل حتى نشوف البابا، وممكن يكون لعشر سنين أو أكثر" فأجابها: " مش صحيح لأنو رح شوف البابا هيدي السنة أو السنة الجايي"، تعجبت المعلمة وقالت له: "وكيف هالشي؟؟" فأجابها بكل طمأنينة:" البابا استشهد كرمال يمهد لظهور صاحب الزمان، ويمكن الإمام المهدي يظهر هيدي السنة أو السنة اللي جاي وأكيد بابا رح يكون معو". هذه عينة من الثقافة التي تعلمها حسن وورّثها لأبنائه سيراً على خطاه..
لقد كان توكله على الله هو سر انطلاقته في مسيرته الفنية، كان عنده اندفاع ولهفة كبيران للعمل، ولم توقفه المشاكل يوماً لأنه كان يعتبر أن المصلحة الإلهية هي التي توجه الأمور نحو الصواب، "دورنا هو السعي وبقية المشهد هو بتوفيق من الباري عز وجل".
بعد اندلاع الأحداث السورية، شارك حسن في تصوير العمليات العسكرية في محاربة العدو التكفيري ووثق كافة الأحداث التي تظهر فظاعة المجموعات المسلحة، حتى ختم حياته الجهادية والمهنية أثناء تصوير فيلم وثائقي حول أحداث حلب، بعدما كان قد أصيب قبل ذلك وتركت الإصابة على خده الشريف جرحاً كان بمثابة البلسم على روحه وهو الذي يتذكر مع كل لحظة وجع الحسين وآلامه، ويردد فداك نفسي يا أبا عبد الله، فداكِ نفسي يا مولاتي يا زينب، حيث كان له لقاء مع الحضرة الزينبية قبل أن يلتقي بأحبابه وإخوانه في الضاحية الجنوبية، حيث مرقده الشريف قرب روضة الشهيدين.
في أرشيف المخرج حسن عبد الله الكثير من الأعمال والبرامج التلفزيونية التي تمحورت كلها حول المقاومة وتاريخها نذكر منها:
أفلام سينمائية: طيف اللقاء، ذات مطر، نقطة فداء (حول شهيد الإسعاف "دماء")
وثائقيات: حول موقع سجد، الحصن العتيد (قلعة الشقيف)، المعابر..
فلاشات وخواطر حول كافة مناسبات المقاومة والقادة الشهداء والتي بثت على قناة المنار.
سلسلة أيام مجيدة، وهي عرض للعمليات العسكرية للمقاومة على مواقع الاحتلال في البياضة، عرمتى وعلي الطاهر (وهي التي كان قد صورها خلال عمله في الإعلام الحربي).
سلسلة أحياء عند ربهم والتي تتناول حياة شهداء المقاومة الإسلامية، ولا تزال هناك حلقات حول الشهداء قد أنهاها الشهيد ولم تعرض حتى الآن..
فيلم عن حلب، لم ينتهِ، لأن منه بدأت الحكاية...
بتول وعباس ومحمد مهدي حسن عبد الله، هنيئاً لكم.