لا يمكن للمرء أن ينكر أن زماننا هذا هو الذي فتح باب التاريخ على مصراعيه، خاصة ان سفن الشهداء العابرة من أرض الفناء الى أرض البقاء تمخر عبابه بكل راحة وطمأنينة وعزة...
... كثر هم الأصدقاء الذين فقدتهم مع هذه المسيرة المباركة، والتي كان أصلها ثابت وفرعها في السماء، حتى وصلت لمرحلة أنني كلما ألتقى بصديق أودعه عل الأيام لا تكتب لنا لقاءً آخر، وقد كان يستغرب البعض مني ذلك، ولكن مع هذا الزمن لا شيء يدعو الى الاستغراب...
أكثر اللحظات التي جعلتني أفكر ملياً في قدسية العشق الذي ضريبته إراقة الدماء هو شهادة حسن.. أو كما أحب الجميع أن يسميه في أرض الجهاد كرار...
كنت أشاهد العرض الخاص بأحد الأفلام السينمائية التي تتحدث أيضاً عن هذا العشق، ولكن من نوع آخر، وبرأيي العشق واحد مهما تعددت الطرق الموصلة إليه، عندما فاجأني أحد الأصدقاء يزف خبر استشهاد حسن.. بقيت لوهلة لا أعي شيئاً مما سمعت...
كثر من الأصدقاء الذين عرفوا حسن عندما التقيهم وقبل أن ينبس أي منهم ببنت شفة كنت أبادره بالقول نعم لقد عرفت بالخبر، وكل أحاسيسي متجمدة عن إظهار أي انطباع أحزناً كان أم فرحاً!!
لمن لا يعرف حسن عبد الله، فهو ذلك الفتى الذي سبق عصره، والذي طوى الأرض ما بين جيل انطلاقة المقاومة على أيدي الشهداء العظام الذي رسموا للمدرسة الكربلائية خطها الأحمر، وبين الجيل الجديد من المقاومين الذين حملوا ذلك الفكر المعتق فأبدعوا في تجسيده، كيف ذلك؟؟!!! الجواب يختصر هول المفاجأة، حسن هو أول شاب في عمر الثماني عشر يحمل كاميرا (هاندي كام) ويصور عمليات المقاومة الإسلامية...
لم يتوقف كرار هنا، فقد كان حريصاً بالرغم من قلة خبرته العسكرية على ضبط كل تفصيل في هذه العمليات، وعلى نقل مشاعر المقاومين أثناء اقتحام المواقع. حاول أن يحفظ كل ذلك الزخم، وكما كان يتحدث عنه الكثيرون ممن عايشوا تلك الفترة، لم تكن الكاميرا ترتجف بين يديه بالرغم من الأخطار التي كان يقتحمها أثناء كل عمل بطولي...
على خطى المعلم الملهم الشهيد السعيد مرتضى آويني ، كان حسن من القلة الذي حملوا رسالة إنسانية جهادية تجمع ما بين أداء الواجب في الجبهة، وبين محاولة نقل كل عبقها الى الناس. كان حسن يعرف جيداً أن المسؤولية الملقاة على عاتقه كبيرة، ولن يكون دوره مقتصراً فقط على تصوير العمليات العسكرية، ففي مرحلة السلم حمل حسن كاميرته واندفع يصنع من موازنة متواضعة مع نص خجول صورة ناصعة عن حقبة المقاومة التي عايشها جيداً، عنيت فترة التسعينات حتى التحرير في الـ 2000. ربما كان سر نجاح حسن ، في حين فشل الكثيرون، هو أنه حمّل أفلامه شيئاً من روحه، وكل من أدرك سر روحه يعرف جيداً ماذا أقصد..
حسن المجاهد والمخرج كان أيضاً معلماً، وهو الذي كان جنباً الى جنب مع الدكتور كاظم نظري ، الذي حضر الى لبنان لينقل جزءاً من تجربة الإخراج الى طلاب متحمسين لإتقان هذه الحرفة السينمائية، فكان حسن الأستاذ الذي سبق أقرانه وزملاءه، يحرص على مساعدة كل منتسب لهذه الدورة، يقدم الأفكار، حتى أنه قد وضع تجهيزاته الفنية في خدمة العلم والتعلم، وحتى أثناء تصوير أفلام التخرج، كان حسن مبدعاً في تظهير الفكرة..
من كثرة إعجاب الدكتور نظري بحسن الإنسان والمخرج والمجاهد، حمل فيلماً من أفلامه وقدمها للمشاركة في مهرجان أفلام المقاومة . لم يعرف حسن إلا حين اتصلنا به لنعلمه أن هذا المهرجان سيكون له نسخة في لبنان في نفس الوقت الذي يعرض فيه فيلمه في خمس دول أخرى. ضحك حسن وعبّر بأن هذا الشيء كان ليطمح له، ولكن لم يتوقع أن يكون بهذه السرعة، وهو المتواضع الذي كان يعتبر أنه كان ينقصه الكثير في رحلة التعلم.
عرض فيلم حسن مع أفلام مخرجين من مختلف أنحاء العالم. وكفانا فخراً أننا عرضنا فيلم المخرج الشهيد للمرة الوحيدة التي أقيم فيها هذا المهرجان في لبنان.
من ميدان إلى آخر كان كرار يتنقل، ما بين جمال الإقليم والمناطق الجنوبية، الى أرض الحضرة الزينبية حيث عشق الحوراء زينب...
أكمل حسن مسيرته ما بين مخرج ومجاهد الى أن كرمه الله بجرح تزين على خده المبارك، كان كالوسام يتباهى به متجاهلاً آلامه..."نعم لقد كرمني الله بكوني جريحاً أواسي جراحات إخواني... وما زلت أنتظر الفوز الأكبر وهو الشهادة"...
أردتها يا حسن وكنت تعرف أن مثلك يستحقها... فزت بالشهادة لتلتحق بركب العشق المحمدي وكأن هذه القافلة تحتاج الى مخرج يعرف جيداً محاكاة المعاني السامية...
هنيئاً لك يا أخي.. وها أنت اليوم تمتع ناظريك وتأنس روحك الى جوار الأنبياء الأطهار، الى جوار محمد وعلي وسيدتنا الزهراء وزينب...
من مثلك يا حسن؟ فزت في الدنيا بمرافقة المجاهدين، وها أنت تكمل دربك مع من كانوا شهداء....
سلام الى الشهداء الفنانين.. الى بشير علوية.. وسيم شريف...حمزة الحاج حسن.. السيد علي أبو طعام... حسن عبد الله... ورحمة الله وبركاته...
1 - هو أول مخرج إيراني حمل كاميرا ونزل يصور المجاهدين أثناء الحرب العراقية الإيرانية، حتى استشهد أثناء تصوير فيلم وثائقي عن الشهداء المجهولين، وقد سماه السيد القائد الخامنائي بسيد شهداء أهل القلم.
2 - هو دكتور مخرج في السينما والمسرح، أقام العديد من الدورات في لبنان، منها دورة في المسرح في استضافة الجمعية اللبنانية للفنون رسالات، كما دورة في الإخراج في معهد UCMT ، وقد تعرف حينها الى حسن.
3 - هو مهرجان استضافته الجمعية اللبنانية للفنون رسالات على مسرحها منذ عدة سنوات، وقد أقيم بالتزامن مع إقامته في عدة دول عربية وأجنبية حيث عرضت رسالات أفلام المشاركين على مدى ثلاثة أيام، كان من ضمنها فيلم الشهيد حسن عبد الله.