هي قوافل العشق الممتدة من نبينا محمد صلوات الله عليه إلى كربلاء التضحية الى اليوم. لكل زمن يزيده وحسينه، وشهداؤنا هم روح الحسين الذي ما زالت تقتل ليستقيم دين محمد.
صورهم، وصاياهم، بسمات ثغورهم تحيط بنا حتى إن أغمضنا أعيننا عن طريقهم. كالمطر يهطلون على غشاوة قلوبنا ليغسلوها دون أن نتكلف خجل الطلب. أينما ولّينا وجوهنا شهيد يقف على الباب مودعاً، تاركاً لنا جعبة من الرصاص الحيّ على نفوسنا الأمارة بحبّ الدنيا. يلقون علينا حجة اللقاء والمعرفة، لتتبارك ايدينا من سلامهم العابق بأريج الجنّة، ونخط بها طريقهم الطويل.
لنوجّه قلوبنا نحو وصاياهم، لكل منهم روحه التي يوصي بحفظها، لكل منهم أم يصبّرها ببسمة مختنقة حين يتخيل بكاءها، أطفال يعزّ عليهم أن يمسح على رؤوسهم من اليتم.. ولكن اختلاف المادة لم يفسد في الروح قضية. باعوا زينة الحياة الدنيا تاركين لنا وصاياهم كباقة زهر تختلف ألوانها والعبير والرونق واحد.
سامحوا ..
كآية يتلونها، بترتيل سماوي أن سامحوا .. ليس في هذه الدنيا ما يستحق أن تزرعوا في قلوبكم ذرة من الحقد والكره، أشغلوا قلوبكم بحب الله، عشق الوصال في العليين. هذه الوصية التي يجمع عليها الشهداء، التسامح الذي هو من شيم آل البيت عليهم السلام وجوهر الإسلام. دماء الشهداء التي تسقط تحفظ النهج المحمدي المحارب اليوم بالمسامحة.
ما يلفت في وصاياهم أيضاً، الإصرار على أن يكمل النهج الأهل والرفاق. كأنه يستودع السرّ في قلب من أحبوه. يسألهم أن يستبدلوا حضوره بتطبيق ما يرضي الله ويقرّبهم مرة أخرى إلى عالم آخر.
هذا الشهيد الذي اصطفاه الله لم يختلف عنّا كثيراً، بل كان مثلنا، يضحك يحزن ويغضب، يخطئ أحياناً ويعتذر أيضاً. ولكنّه وبلحظة صدق استطاع أن يخرق حجب النور ليمسك بالعروة الوثقى. هذه الصورة التي يتركها لنا شهداؤنا أن ما فرّقنا ليس سوى القابلية التي نعمل عليها في خلواتنا مع الله، التي نزيدها في تعاطينا مع معارفنا بالحسنى والتطبع بما أوصى به الاسلام. هذا هو ما فرّق بيننا وبينهم. هم بدأوا طريق العشق معنا، ووصولهم قبلنا ليس سوى دعوة منهم أننا لا نحتاج الى عصمة لنصبح من أولياء الله. فمن كان في قلبه ذرّة عشق صافية لا يشوبها شيء من لذة الدنيا ضاعفها الله باذنه لتصبح طريقاً اليه.
الشهيد لا يختصر بمجاهد وسلاح، بجنّة وحور. الشهيد نهج نتعلم منه أن نكون حسينيي الروح محمديي الأصل وعلويي المنهج. الشهيد حافظ الاسلام في كل عصر.
الحمد الله الذي جعلنا من أمّة الشهداء. الحمد لله الذي جعل ألستنا تدعو بالشهادة حتى ان غرّت بنا الدنيا. الحمد الله الذي منّ علينا بمعرفة أولياء الله على الأرض. علّنا بحمد هذه النعم، يزيدنا الله عشقاً ويقيناً أن من عرفناهم لن يتركونا هنا ..