المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


خاص مقاومة

هل سيعاني الكيان الصهيوني من عزلةٍ غربية؟

عبد الرحمن جاسم


لطالما نعمَ الكيان الصهيوني بعلاقاتٍ شبه "ذهبية" مع الغرب. كانت النظرة الدائمة للدولة العبرية على أساس أنها "واحةٌ" ديمقراطية في شرقٍ أوسط مليء بالكيانات الهجينة والمشوهة. هكذا كان الغرب يرى تلك الدولة المحتلة، لذلك كان يبذل الغالي والنفيس في سبيل الحفاظ عليها، فمن عدوان 1967 إلى حمايتها ومساعدتها في كل الحروب العربية التي قامت ضدها. لكن ماذا يحدث اليوم؟ وهل في ذلك تداعياتٌ "تكتونية" لما حدث العام 1980 بعد إعلان البندقية حينما اعترفت الدول الأوروبية الكبرى بمنظمة التحرير الفلسطينية وحق وجودها وتمثيلها للشعب العربي في فلسطين وخارجها؟ وهل لا زالت العلاقات الغربية الصهيونية تتردى شيئاً فشيئاً؟ وهل للعلاقات السيئة بين إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما ورئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو أثرٌ على ذلك؟

صدم الساسة الصهاينة يوم اكتشفوا أن السياسيين الأوروبيين يمكنهم "الكلام". هكذا أعرب أحد وزراء حكومة العدو يومها، قائلاً بالحرف: "لم نكن لنعتقد أنهم سيفكرون وحدهم بهذا الشأن، لم يستشيرونا، ولم يقولوا لنا أي شيء، سوى انهم سيعترفون بمنظمة "الإرهاب" الفلسطينية تلك". ظل الصهاينة يحاولون بشتى الوسائل أن يرمموا تلك العلاقة مع الاتحاد الأوروبي والتي تشظت بشكلٍ فعلي، ونجحوا في ذلك مثلاً في العامين 1992 و1995 حينما أقر اتفاق شراكة بين الاتحاد وبين الكيان، ونجح الصهاينة في تقريب وجهات نظرهم إلى أبعد حد، وحصلوا على تأييد كبيرٍ في الأوساط السياسية الأوروبية الأمر الذي جعلهم يعتقدون –كعادتهم- أنهم ضمنوا أوروبا في جيبهم تماماً. أما اليوم، فقد نسي سياسيو الدولة العبرية تماماً القنبلة البشرية العربية الموقوتة في أوروبا.

تنضح المجتمعات الغربية وبشكلٍ فعلي بأجيالٍ جديدة من أبناء المهاجرين العرب المولودين على أراضي تلك الدول، ومن هنا فإن وجهات نظر هؤلاء تجاه الدولة العبرية وتجاه القضية الفلسطينية هي ذاتها (تقريباً) التي يحملها آباؤهم. تسيطر مشاعر العداء على غالب الجاليات العربية المقيمة في الغرب، فقلما تجد "تفاهماً" بين الصهاينة بجميع جمعياتهم وتوجهاتهم والعرب الأوروبيين. وقد سعت منظماتٍ صهيونية كبوسمات أو سيمار فارن لخلق نوعٍ من الأنشطة المشتركة مع الجاليات العربية في الغرب (هولندا والسويد والدانمارك) إلا أنها فشلت فشلاً ذريعاً رغم كثرة الأموال المبذولة والمصروفة لإنجاح تلك الفعاليات. من هنا فإن أوروبا باتت بشكلٍ أو بآخر متأثرة –ولو قليلاً- برؤية عربية للقضية الفلسطينية، لذلك فمن السهل تماماً فهم لماذا بدأ صناع القرار في أوروبا بالابتعاد عن الدولة العبرية شيئاً فشيئاً والاعتراف بالدولة الفلسطينية واحدةً تلو الأخرى. وكان وزير خارجية الكيان أفيغدور ليبرمان قد أشار إلى أن دولة الكيان ستشهد موجة "تسونامي" عدائية من الغرب (أوروبا) إذا ما بقيت مفاوضات السلام على حالها. ويبدو من استعمال كلمة "تسونامي" مقدار الشعور المتنامي لدى صناع القرار الصهاينة بأن المشكلة عاتيةٌ وغير بسيطة.

ينظر الأوروبي إلى الدولة العبرية على أساس أنها المشكلة، فهي الأقوى حيث بيدها القرار وقادرةٌ على احراز تقدمٍ في عملية السلام، لكنها بتعنتها ورفضها تجعل الأمور مستحيلة. يبدو الاستيطان واستمراره جزءاً من "غضب" الأوروبي وانزعاجه. وكان الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند والمستشارة الألمانية آنجيلا ميركل قد أثارا ذلك الموضوع مراراً مع بنيامين نتنياهو لكن "الطفل العنيد" كما سمته صحيفة "معاريف" قبل أشهر رفض النقاش في تلك الأمور بإصرار. وإذا كان كل هذا ليس بكافٍ، يبدو أن جولات وزير الخارجية الأميركية جون كيري والتي يتم من خلالها حشد التأييد الأوروبي للاتفاق الأميركي الإيراني تحمل في طياتها بعداً آخر: انبذوا الدولة العبرية. قد لا يكون هذا الكلام دقيقاً مئة بالمئة، لكنه يمر وبشكلٍ "عرضي" ضمن طيات الخطاب. فموقف الدولة العبرية ونتنياهو خصوصاً تجاه الاتفاق جعل الرئيس الأميركي أوباما غاضباً وبشدة منه، إذاً فمن الطبيعي أن تسعى واشنطن لـ"كسر عين" الصهاينة كي لا يعودوا لرفع الصوت بوجهها مرةً أخرى. وكان سفير الكيان لدى الأردن سابقاً عوديد عيران قد أشار في حوار مع شايكي كوماريك الصحافي الصهيوني إلى أنَّ الدولة العبرية أمام امتحانٍ شاق ويجب أن تختار حلولها الأنسب كي تعود العلاقة مع الغرب إلى سياقها "الطبيعي"، ومن بين هذه الحلول استئناف محادثات السلام وإيقاف الاستيطان، بغير ذلك تصبح الأمور أكثر صعوبة بالتأكيد. في الختام، بعد موت أرييل شارون فقدت الدولة العبرية آخر "ملوكها" ويبدو جلياً أن قادتها الجدد ليسوا بكفاءة "الأمراء" حتى، من هنا لا يمكن القول إلا ان الكيان ماضٍ في علاقات عزلةٍ شيئاً فشيئاً، فالغرب ليس سعيداً أبداً بالحركة السياسية الحالية وهذا وحده يجب أن يثير مخاوف لدى الصهاينة، وهو ما يفعل، وبشدة.
20-شباط-2015
استبيان