عبد الرحمن جاسم
سيذهب رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو إلى الكونغرس الأميركي في آذار القادم كي يخطب هناك، وستكون خطبته عن أسلحة الدمار الشامل الإيرانية. لن يحضر الرئيس الأميركي باراك أوباما الخطاب. هكذا هو الخبر كما ينبغي أن يكتب. لكن ماذا وراء الخبر؟ لماذا يحظى الأمر بكل هذه الأهمية؟ ولِمَ أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما أنّه لن يستقبل نتنياهو كضيفٍ في البيت الأبيض إبان هذه الزيارة؟ هي أسئلة تستحضر كثيراً من أمور لكن أهمّها ان العلاقات بين الديمقراطيين (كحزب أميركي) والصهاينة ليست في أحسن حال هذه الأيام.
يعلم كثيرون بأن الرئيس الأميركي الحالي أوباما يأتي من الحزب الديمقراطي، وكذلك تأتي ثلةٌ كبيرة من النواب والشيوخ الأميركيين. وإذا نال الحزب نجاحه بأن حصل على السلطة في أميركا، فهذا لا يعني أنه يسيطر على كل مقاليد الحكم هناك، فالنزاع بين الجمهوريين والديمقراطيين سيظل مشتعلاً دائماً وإلى الأبد. ومن هنا فإن "مات رومني" المرشح الجمهوري الأسبق للرئاسة ومنافس أوباما العتيد مؤيدٌ "مطلق" للصهاينة أينما مالوا وكيفما حلوا، وهو الذي سلّم الدعوة لنتنياهو وشجعه على الحضور لإلقاء خطابه أمام الكونغرس كي يكون الرئيس السابع – في التاريخ - الذي يفعل ذلك. اللافت في الأمر أن الرئيس الأميركي ونائبه (جو بايدن) لن يحضرا تلك الخطبة، وهي سابقةٌ تاريخيةٌ خطيرة بالتأكيد، ذلك أن العرف يقضي بأن يجلس رئيس مجلس النواب ونائب الرئيس على نفس المنصة مع الرئيس الضيف المتحدّث.
قبل أيام كتب يوسي ساريد في هآرتز قائلاً إن نتنياهو يريد فعلياً أن "يضع على عين" الرئيس الأميركي أوباما ويثبت أنه لا يزال قوياً حتى ولو كانت علاقته مع الرئيس الأميركي سيئة، وإثبات أن "اليد الصهيونية" لا تزال قوية وفاعلة متى أرادت. لكن الرئيس أوباما هدد وبسرعة أنه في حال حاول أي أحدٍ فرض عقوباتٍ أخرى على إيران فإنه سيستعمل حق الفيتو ويلغي تلك العقوبات بشكلٍ تلقائي. هذا الكلام جاء في إشارة استباقية في حال تأثر أحد النواب (أو كثيرٍ منهم) بفكرة الخطاب القائمة على "نقد" الاتفاق الذي سيرى النور بين الجمهورية الإسلامية والولايات المتحدة. إسرائيلياً حاول رئيس حزب العمل إسحاق هيرتزوغ التركيز على فكرة "عدم السماح" لنتنياهو بالذهاب لأن الأمر سيتم استغلاله بشكلٍ أو بآخر في الانتخابات البرلمانية القادمة المقرر إجراؤها في الشهر عينه (تماماً في 17 منه)، غامزاً من نفس القناة وأنه سيهدد العلاقات المميزة بين الولايات المتحدة والكيان العبري. أما حزب ميريتس اليساري فأكد عبر رئيسته زهافا جالون ان شهر العسل الأميركي الصهيوني قد يتعرض لنكسةٍ قوية لن يستفيق منها بسبب "رعونة" نتنياهو وصبيانيته. أما الرد الأقسى صهيونياً فجاء من رئيس حزب "هناك مستقبل" وزير المال يائير ليبيد الذي أكد أن نتنياهو عبر خطابه هذا يعادي نصف أعضاء هذا البرلمان (بحكم كونهم ديمقراطيين) ما يجعل الكيان عرضة لمشاعر كراهية هو بغنى عنها.
على موجةٍ مختلفة يأتي وزير الأمن الأسبق موشيه ايرينز الذي يؤكد أن على نتنياهو الذهاب مهما كلفه الأمر –حسبما أوردت صحيفة هآرتز- لأن الاتفاق الذي سيقوم بين أميركا وإيران "سيئ لإسرائيل"، ويجب القيام بشيء حياله. ويوافقه في ذلك السفير الإسرائيلي السابق في الولايات المتحدة دان إيلون الذي يؤكد أنه ما من مخاطر من هذه الزيارة، ومهما حدث خلالها فإن العلاقات ستبقى كما هي، لذلك فإن حدوثها أفضل من عدمه، وهو نفس كلام السفير السابق مايكل أورن أيضاً، وهؤلاء جميعهم من خبراء العلاقات بين الولايات المتحدة والكيان الغاصب. كذلك كانت لغة صحيفة معاريف عبر افتتاحيتها في مقالة لعامير رابابورت الذي قال إنّ خطاب نتنياهو لن يغير شيئاً في العلاقة مع الولايات المتحدة، حيث أثبت الوقت أنَّ خلافه مع الرئيس الأميركي لم يؤثر عليها، بل إنها استمرت كما كانت تماماً، لكن بنفس الوقت قد تؤثر ولو بعد حين، وربما حتى تؤثر على حجم المساعدة العسكرية الأميركية المعتادة للصهاينة. إذاً هي خارطةٌ متوقعة لزيارة يعتقد نتنياهو بأنها ستفيده وبشكلٍ قاطع في انتخابات برلمانيةٍ قاسية أثبت أنه غير "محضرٍ" لها كما يتوقع، فبعد صفعة حزب الله القاسية الأخيرة لا يبدو أن أمام نتنياهو –كعادته- إلا الهروب إلى الأمام، فهل تكون خطوة الخطاب نجاحاً أم فشلاً ذريعاً؟ وحدها الأيام ستظهر الأجوبة الخفية.