لا تحسد إسرائيل على ما يتراءى أمامها من تغيرات على الجبهة الجنوبية السورية، فالحلم الذي عملت على بنائه ورعايته طوال الفترة السابقة ينهار أمامها تباعاً من دون أن تستطيع أن تفعل شيئاً لإعادة ترميمه، بعدما كبّل الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله يدها في خطابه الأخير. الحزام الأمني الذي كانت تعول عليه ليكون سندها وأداتها لتنفيذ مشروعها في المنطقة، وسياجاً لتطويق العاصمة السورية دمشق وخنجراً في خاصرة السيادة السورية يتفكك بفعل ضربات الجيش السوري في مثلث أرياف القنيطرة - درعا - دمشق، وتشتت ميليشياتها وجيشها اللحدي السوري المتمثل "بجبهة النصرة".
تطور الواقع الميداني لصالح الجيش السوري وهزيمة التكفيريين في الجبهة الجنوبية، دفع بالكيان الصهيوني عبر سفيره في الامم المتحدة رون بروسبار الى طلب عودة مراقبي الأمم المتحدة للانتشار على الجانب السوري المحتل. هذه الدعوة ليست عبثية خاصة في هذا التوقيت الذي يحرز فيه الجيش السوري في ريف القنيطرة انجازات كبيرة ضد المسلحين المدعومين من "تل أبيب". لكن السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا استعجلت "اسرائيل" دعوة المراقبين الدوليين الى العودة إلى مواقعهم السابقة، وهي التي لم تنبس ببنت شفة عندما تم أسر جنود القوة الدولية من قبل مسلحي "جبهة النصرة" أمام ناظريها، ولم تعمل على إطلاق سراحهم، بل فضلت السكوت، وربما هي من دفعت بالمسلحين الى خطف الجنود الأمميين لتخلو الساحة لها، ولتنفيذ مشروعها المتعلق بالحزام الأمني في الجانب المحرر من القنيطرة، خاصة بعدما انكشفت العلاقة الوثيقة بين جيش الاحتلال و"جبهة النصرة" لجهة التنسيق والدعم العسكري الصهيوني للمجموعات المسلحة، إضافة الى فتح مستشفيات العدو أمام جرحاهم؟
في رأي المحللين فإن الطلب الصهيوني يندرج ضمن مخاوف "إسرائيلية" من وصول حزب الله الى الحدود، وبالتالي يريد العدو طرفاً دولياً يضبط الحدود، لأن مهمته تكمن في مراقبة اتفاقية الهدنة بين الاحتلال وسوريا.
الخبير العسكري الفلسطيني محمود العجرمي يرى في الطلب "الإسرائيلي" جانبين:
أولاً أن القناعة "الاسرائيلية" تشير الى تطورات قادمة على الجبهة السورية اللبنانية وبالتحديد السورية، وهذه لها علاقة بإمكانية تحولها الى جبهة مقاومة، خاصة وأن هناك تصريحات سابقة لدى العدو أن وجود حزب الله في القنيطرة يحوّل المنطقة الى حالة استنزاف بالنسبة للجيش "الاسرائيلي".
ثانياً هناك فارق بالنسبة للاحتلال وهو القتال المباشر بين الجيش "الاسرائيلي" والجيش السوري، وبالتالي فإن وجود قوات دولية سيعطي للموضوع بعداً دولياً، ويحول دون توسع الاشتباكات. وبرأي العجرمي حصول اشتباك مباشر مع العدو من دون وجود قوات دولية، يمكن الجيش السوري بمساندة المقاومة من إدارة حرب استنزاف ضد قوات الاحتلال. وهذا برأيه سيُحدث متغيراً جديداً في الصراع مع الاحتلال لجهة تحرير الاراضي، خاصة وأن تجارب الاحتلال السابقة تدل على أن الجيش الصهيوني لا يستطيع أن يقاتل على جبهتين، لأن القتال على جبهتين سيشل الاحتلال، لأنه من بعد حرب تموز عام الفين وستة مع المقاومة الاسلامية في لبنان تدهورت حال قوات جيش الاحتلال كثيراً.
إضافة الى ذلك فإن تحريك الجبهة السورية برأي العجرمي سيضع القوات "الاسرائيلية" في مأزق، بحيث تستطيع سوريا والمقاومة تحقيق الكثير من الإنجازات بدءاً بتحرير الاراضي، وهذا ما لا تريده دولة الاحتلال، لذلك فإنها تعود للمطالبة بعودة القوات الدولية، وهي بحاجة الى إسناد دولي من الأمم المتحدة، لأن انتصار الجيش السوري في الميدان له بعدٌ استراتيجي سيعطي تغيرات إضافية على صعيد الصراع العربي الصهيوني.