مريم حجازي
ساد التوتر أركان الداخل السياسي "الاسرائيلي" بعد أن أصدر رئيس مجلس الوزراء قراراً بالاجماع بحل الكنيست وإجراء انتخابات مبكرة في 17 آذار/مارس 2015، منهياً بذلك ولاية لم يتجاوز عمرها السنة وثمانية أشهر فقط.
الصراعات الداخلية، التشرذمات الحزبية والانقسامات العمودية الحادة بين قطبي اليمين واليسار على مدماكي "الأمن والاقتصاد" لم ترتقِ إلى دوافع نتنياهو الشخصية لحل عقد الحكومة، خاصة بعد أن وصلت موسى الهرج والهرطقات السياسية إلى رقبة زوجته سارة نتنياهو والتي باتت فضائحها مؤخراً على لسان كل متهكم وناقد سياسي ما كان له التأثير المباشر على نزع رخصة الاحتضان والتضامن الشعبي معه.
كما يسجل لرئيس حزب "يش عتيد" يائير لبيد أنه كان الشعرة التي قصمت ظهر البعير فيما يتعلق بإدارة الأمور الاقتصادية بشكل عام والموازنة الأمنية بشكل خاص.
ونظراً لكون الانتخابات قائمة على عملية تصويت الشعب، فإن المرشحين "الاسرائيليين" يصبّون جل اهتمامهم في هذه الفترة _ما قبل الانتخابات_ على حملاتهم الترويجية لمشروعهم الانتخابي الذي من شأنه أن يحاكي هواجس الشعب والمجتمع "الاسرائيلي"، بغية استمالته والتأثير عليه.
ولأن الاصطفاف مع فريق أو آخر بالنسبة للمواطن لا يدخل بأغلبه ضمن الانتماء الحزبي الموروث أو التعصب لمرشح دون آخر، اضافة إلى أن عملية محاسبة المرشحين في الداخل "الاسرائيلي" من قبل الشعب ليست مهملة، بل يمكننا أن نصفها بالمصيرية، تثبت نظرية هنري كسنجر: لا يوجد في "إسرائيل" سياسة خارجية، بل داخلية فقط.
استخدم نتنياهو في حملته الأخيرة أسلوباً غريباً في الترويج، حيث صوّر عدداً من الاعلانات المتلفزة أحدها يكون فيه مربياً في حضانة للأطفال (ليفني- هرتسوغ- لبيد وغيرهم) طارحاً نفسه المخضرم في ادارة البلاد دون غيره من المرشحين، بعيداً عن الهرج الذي يمارسونه في السياسة. وفي آخر يحاكي الموضوع الأمني، فيعرض نفسه كحاضنة خاصة للأطفال باستطاعته السهر على أمنهم. وعندما تشكك الأم بقدرته يخيرها بينه وبين المرشح هرتسوغ (رئيس حزب العمل)، فترد عليه بأنه ليس بامكانه أن يهتم بنفسه فكيف بأطفال الشعب. من هنا نستطيع أن نلخص بعضاَ مما يريد نتنياهو ايصاله أنه الوحيد القادر وبحكمة أن ينقذ "اسرائيل" وشعبها من الدمار الذي سيتسبب به غيره من المرشحين.
هذه الحملات الدعائية أثارت حفيظة منظمات حقوق الطفل، لإقحامهم في المآرب السياسية، ولكنّها أيضاً دفعت بالفريق الثاني المتمثل بهرتسوغ للردّ بنفس الأسلوب ولكن مع التركيز على أخطاء نتنياهو خلال فترة ولايته. ففي اعلانٍ آخر مضاد لـ"بيبي"، يتم اطلاق صفارات الانذار عندما يتكلم عن قدرته على حماية الشعب، وعرض أعداد الصواريخ التي نزلت على "اسرائيل" في حرب غزة الأخيرة. بذلك يدحض هرتسوغ نظرية كون نتنياهو أهلاً لحفظ الأمن الاسرائيلي. هذه الحملات انعكست على استطلاعات الرأي التي تشير إلى أن شعبية نتنياهو في الحضيض قياساً بأوقات سابقة.
يعمل هرتسوغ على طرح نفسه نداً قوياً وصلباً في وجه نتنياهو، في حين يعتمد الأخير على الاختباء وعدم الظهور اعلاميا. مؤخراً دعا هرتسوغ نتنياهو لمناظرة علنية، الا انه رفض بعد استشارة معاونيه، ما دفع بعض الناشطين إلى انتقاد نتنياهو بحدّة من خلال فيديوهات ساخرة له أو صور وتعليقات أنه جبان وليس سوى أسطورة تخشى ظلّها، ولا يصلح أن يكون قائداً يحترمه الشعب وتحركه زوجته.
إن الصراع الحاصل بين معسكري اليمين (نتنياهو) ووسط اليمين (ليفني وهرتسوغ) الاسرائيلييين، يدور حول فلكي الأمن والاقتصاد. بدأ نتنياهو لعبته السياسية بضرب القنيطرة لزيادة أسهمه في الأمن وحماية الحدود وقوة الردع ولكنّه وقع في فخ الردّ الذي زاد من حدّة الانتقاد وأحقيّته، في الوقت الذي بقي اليسار الاسرائيلي مصراً على المطالب الاقتصادية والتحسين في المعيشة كهدف أساسي وهو ما يشكل الآن الورقة الرابحة في هذا الصراع.