تهاني نصار
لا يعرف الفلسطينيون قرية نالت قدراً من الشهرة قدر قرية "يعبد" (بفتح الياء والباء) الشهيرة، فيعبد التي أصبح اسمها "يعبد الثوار"، والتي قلما يذكر أي فلسطيني اسمها دون استذكار كنيتها، أضحت بين ليلةٍ وضحاها واحدةً من علامات الثور والمقاومة والعنفوان.
تقع قرية يعبد في قضاء جنين، وتعتبر من أمهات القرى هناك، أي من الأماكن الأصلية التي استوطنها سكان تلك المناطق.
ترتفع 400 متر فوق سطح البحر، مبتعدةً عن مدينة جنين إلى الغرب 18 كيلومتراً. وتبلغ مساحة أراضيها 37405 دونماً، وتحيط بها أراضي قرى عانين، وعرقة، والكفيرات، وعرابة، وكفر راعي، وافراسين، وزبدة، وبرطعة. كما يحيط بها أكثر من 15 خربة وقرية مدمرة معروفة بالاسم وبالمكان.
حملت الاسم "يعبد" لأنها كانت معبداً للتوحيد على أيام نبي الله إبراهيم عليه السلام (وحرّفت الكلمة تاريخياً فأضحت "يعبد" بدلاً من معبد). عُرف عن أهلها كونهم مسالمين للغاية، محاربين أشداء وقت الحرب، ذلك أن زراعة الزيتون التي ازدهرت بشدة في تلك المنطقة، جعلتهم يشبهونه، وقد عرفوا بأنهم أنشط قوم في قرى القضاء في زراعة تلك الغرسة الطيبة.
كذلك عرفت يعبد بأنها تزرع "الدخان/التبغ" الشامي (أو كما يعرف في فلسطين الدخان العربي) وهو ما جعل القرية واحدةً من أشهر القرى التي لا تزال حتى اللحظة تنتج هذا النوع من المزروعات، كما أنّها تعتبر واحدةً من أوائل القرى التي زرعت وأنتجت هذا النوع من التبغ للاستهلاك المحلي وللتصدير إلى الخارج (كان يباع في أسواق بيروت والقاهرة التبغ اليعبدي وكان معروفاً ومشهوراً في كثيرٍ من الأسواق لجودته).
بلغ عدد سكانها في العام 2007 قرابة الخمسة عشر ألف نسمة.
يعبد الثوار:
اكتسبت يعبد وأحراشها تحديداً شهرةً كبيرة وذلك بسبب ان الشيخ عز الدين القسام اختارها كي تكون مقراً ومستقراً له في العام 1936، حينما نزل في ضيافة الشيخ سعيد حسان الجربا. وكان لدى الشيخ سعيد الجربا عائلته الكبيرة فضلاً عن فصيلٍ كبير من المجاهدين، وكانوا لا يهابون المنية.، وجاء إصراره على استضافة الشيخ القسّام كنوعٍ من اذكاء المقاومة، فالقسام كان بحاجةٍ لبعدٍ "شعبي" لحركته، وكان الشيخ الجربا واحداً ممن رفدوا وأمنوا هذا الدعم الشعبي. وكان حصار القسام واستشهاده لاحقاً في تلك القرية المقاومة. فإلى يعبد، جاء الإنكليز مرسلين أول الأمر رسلاً إلى الشيخ الجليل المقاوم عارضين عليه وظيفة الإفتاء في كل الديار المقدسة، كما عرضوا عليه أن يخرج من فلسطين ويعود إلى قريته "جبلة" ومن هناك "يمارس أي نشاطٍ شرط ألا يكون عسكرياً أو مقاوماً" مع التعهد بضمان سلامته وسلامة رفاقه جميعاً. لكن الشيخ القسام كان حاسماً فقال كلماته الشهيرة المحفوظة حتى اليوم: " إننا لن نستسلم، إننا في موقف الجهاد في سبيل الله" ثم التفت إلى رفاقه وقال: "موتوا شهداء في سبيل الله خير لنا من الاستسلام للكفرة الفجرة".
استمرت المعركة بين القسام ورفاقه والقوات الإنكليزية التي كانت تفوقهم عدداً وعديداً بمقياس 10 مقابل واحد طيلة ليلةٍ كاملةٍ، حوصر خلالها الشيخ الجليل وصمد صموداً كبيراً، لكن استعمال الدبابات والمدرعات الحربية فضلاً عن الطيران كان أمراً حاسماً للقوات الإنكليزية الغازية. سقط الشيخ القسام شهيداً وسقط معه حشدٌ من الشهداء مثل عبد الله الزيباري، وسعيد عطية المصري، ومحمد أبو قسام خلف، والشيخ سعيد الحسان والذي كان أول شهداء المعركة. وبقي الشيخ نمر السعدي الشيخ الأردني الشهير الذي أمد القسام بأكثر من مئتي مقاتل من قبيلته في الكرك حياً بعد تلك المعركة وهو الذي روى لأحد الصحافيين قصة استشهاد القسام وقصة معركته بأكملها. ومن هنا اكتسبت المدينة شهرةً هائلة فغناها المغنون وأنشدها الشعراء، وعرفها الشعب الفلسطيني على أساس أنها: يعبد الثوار، لا مجرد "يعبد".