وئام أحمد
من بين الموضوعات المختلفة التي عالجتها سينما الجبهة في إيران كان موضوع الأسر، وحياة الأسرى في معتقلهم أو بعد تحريرهم. وقد اهتم عدد من المخرجين والسينمائيين بهذا الموضوع وخصصوا لذلك عدة أفلام، ولكنها لا تعدو كونها قليلة مقارنة مع تجربة الأسْر التي عانى منها المجاهدون الإيرانيون خلال الحرب المفروضة.
منذ الثمانينات من القرن العشرين ظهرت أفلام تحدثت عن أسرى الحرب، منها "برجمدار" (حامل العلم) الذي أخرجه شهريار بحراني سنة 1984 ويتحدث فيه عن علي المناضل الذي أسر على أيدي العراقيين، ما يدفع فريقاً من المناضلين الإيرانيين الى الهجوم على موقع العراقيين بعد أن لبسوا ثياباً كثيابهم، والى إطلاق سراح علي. يتطرق الفيلم الى موضوع الأسْر من جانب آخر وهو منظمة "مجاهدي خلق" وعمالتهم مع العراقيين ضد الإيرانيين. لكن الفيلم يركز على الحركة والحدث أكثر من تركيزه على معاناة الأسرى أو حياتهم في الأسر.
بعد هذه الفترة أنتجت عدة أفلام محورها الأسرى أنفسهم، منها "حماسه مهران" ( ملحمة مهران) للمخرج حميد طاهريان سنة 1984، و"اتاق يك" (الغرفة رقم واحد) للمخرج رحيم رحيمي بور سنة 1986، و"عروس حلبجه" لحسن كاربخش سنة 1990.
لكن بعد سنة 1990 وتحرير الأسرى وعودتهم الى الوطن من خلال تبادل تم بين الجمهورية الإسلامية والعراق زاد الاهتمام بإخراج الأفلام عن هذا الموضوع، وتم إخراج عدد من الأفلام عن المحررين. معظم هذه الأفلام أنتج بين سنتي 1993 و1998، ووصل عدد الأفلام التي تناولت هذا الموضوع الى ثلاثين فيلماً تقريباً، لكن القليل منها برز بشكل كبير.
أحداث بعض الأفلام جرت في أيام الحرب، حيث تم تصوير الأسر بشكل مباشر. ومعظمها حدث في مخيم الأسرى، وركز معظمها على الحركة، وعلى كيفية التعامل بين الأسرى والعراقيين، أو محاولات فرار الأسرى، ومنها فيلم "برواز از اردوكاه" (الطيران من المخيم) للمخرج حسن كاربخش سنة 1994، "باتك" (الهجوم) لعلي أصغر شادروان سنة 1995، "رنجر" لأحمد مرادبور سنة 1999 ، "يورش" لمحسن محسنى نسب سنة 1996، "فرار مركبار" (الهروب المميت) لتورج منصوري سنة 1996 وغيرها من الأفلام، وهي تعتبر من هذا النوع من الأفلام. لكن فيلم "مردي شبيه باران" (رجل يشبه المطر) لسعيد سهيلي سنة 1996 يعتبر فيلماً مختلفاً ومميزاً حصل على جوائز عدة في المهرجانات. فهو لا يركز على البعد الأخلاقي لشخصية مناضل أسره العراقيون.
القسم الثاني من الأفلام تدور أحداثه خلال الحرب، لكنه لم يتطرق الى موضوع الأسر بشكل مباشر، بل الى تأثير ظاهرة الأسر على الأسير أو أقربائه. فأفلام "كيميا" سنة 1994 و"دوئل" في سنة 2002 لأحمد رضا درويش، و"ديدار" (اللقاء) لمحمد رضا هنرمند سنة 1994، "عيسى مى آيد" (المسيح يأتي) لعلي زكان الذي أنتج سنة 2001 وعرض سنة 2007، "مسافر غريب" (المسافر الغريب) ليوسف حمادي سنة 1993، "باز باران" (المطر مجدداً) لمحسن محسني نسب سنة 1992، "عروس حلبجه" لحسن كاربخش سنة 1990 وأفلام أخرى شكلت نماذج لهذا النوع من أفلام الحرب. وهي قد تجنبت التركيز على الحركة وعلى البعد العاطفي والداخلي.
ويعتبر فيلم "رائحة قميص يوسف" لابراهيم حاتمي كيا سنة 1995 من أفضل الأفلام التي أنتجت عن موضوع الأسر. ويمكن اعتباره من روائع الأفلام. فقد وضع المخرج شخصيتين الى جانب بعضهما بعضاً، هما شخصية غفور سائق تاكسي في المطار فقد ابنه يوسف في الحرب، وينتظر عودته ولا يصدق قول الآخرين إنه استشهد، وشخصية شيرين الفتاة التي أمضت سنوات في فرنسا وعادت الى إيران لأنها سمعت بأن أخاها الأسير خسرو سيعود الى الوطن خلال عملية تبادل أسرى. تعرف الاثنان على بعضهما بعضاً عندما أوصل السائق شيرين الى بيتها، وبعد أحداث مختلفة، انطلق الاثنان الى الجنوب بحثاً عن خسرو، لكن في النهاية يوسف هو الذي يعود وليس خسرو.
يصور الفيلم موضوع الانتظار بشكل جميل، وترافقه موسيقى جميلة تبقى في الأذهان ويزيد على جمالها التمثيل الرائع لممثلين بارزين هما "علي نصيريان" و"نيكي كريمي".
"رائحة قميص يوسف" الى جانب "كيميا" و"رجل يشبه المطر"، "دوئل" و"المسيح سيأتي" هي أفلام لقيت ترحيباً كبيراً، واعتبرت من أفضل الأفلام في مجال سينما الدفاع المقدس التي تتطرق الى موضوع أسرى الحرب.