مصعب قشمر
يجهد قادة الاحتلال في رفع معنويات المستوطنين بعدما انهارت إثر عملية المقاومة الاسلامية في مزارع شبعا المحتلة، ويعملون بشتى الوسائل على إظهار أن جيشهم لا يزال يمسك بزمام المبادرة، وأن قوة الردع ما زالت سارية المفعول. وجديد تصريحات قادة الاحتلال وعيد وزير حرب الكيان الصهيوني موشيه يعالون حيث قال: " لن نسمح لأحد بتشويش روتين حياتنا، وسنعلم كيف نصل الى كل مكان وفي كل وقت لإحباط نوايا الشر ضدنا، وسنعمل بكل قوة وعزم لتحقيق ذلك، وسنصل إليهم من الجو والبر والبحر". لكن غاب عن بال يعالون أن تهديده ليس سوى فقاعات هوائية وتكراراً لتصريحات مماثلة لغيره من المسؤولين الصهاينة، وكان أبرزها ما قاله بنيامين نتنياهو عندما هدد بمنع حزب الله من السيطرة على منطقة تمتد على طول خط وقف إطلاق النار في مرتفعات الجولان من مزارع شبعا والقنيطرة، ودعوته في الوقت نفسه حزب الله عبر قنوات الى التهدئة، والتي كانت عرضة للانتقادات من قبل الصحافة الصهيونية.
تصريحات يعالون جاءت كمن يبحث عن مجد ضائع ويتوسل هنا وهناك لإعادة الاعتبار لهيبة الجيش الذي قيل مرة إنه لا يقهر. ربما فات يعالون أن صورة الجيش الاسطورة أصبحت في خبر كان، وأن زمن التهديد "الاسرائيلي" ولى الى غير رجعة، وما كان يصلح قبل 30 او 40 عاماً لم يعد يصلح في زمن المقاومة التي وقفت نداً في وجهه، بل وتفوقت عليه في مختلف المواجهات، ولم يعد لهذا الجيش مكان أو وجود ما بعد عام 2000، وسكنت مكانه عبارة الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله: لقد ولى زمن الهزائم وبدأ زمن الانتصارات.
وإذا كان يعالون يحاول زرع الطمأنينة لدى مستوطنيه، فهو ربما لم يسمع ما قاله زميله في الحكومة أفيغدور ليبرمان من أن حزب الله نجح في اختراق منظومة الردع "الاسرائيلية". وربما عليه أيضاً أن يقرأ الاستنتاج الذي توصل إليه الكاتب الصهيوني في صحيفة "إسرائيل اليوم" أيال زيسر عندما أشار الى أن " العملية التي نفذها حزب الله على الحدود الشمالية تنبئ بنهاية الهدوء الذي ساد في الحدود الشمالية "الاسرائيلية" طوال عقد منذ حرب لبنان الثانية، وأن هذه العملية تشكل بدون شك الصعود لدرجة أعلى، ليس فقط بسبب القتلى، بل أيضاً لأن الحديث يدور عن خرق صريح وفاضح للهدوء على الحدود. لم يعد الامر عبوات تم إعدادها مسبقاً، ويمكن دائماً التنصل منها، بل هو إطلاق النار من قريب لخلية حزب الله التي كمنت لجنودنا في الجانب الآخر من الحدود". ويعيد زيسر التذكير بالعبوات التي وضعها حزب الله لجنود الاحتلال في شباط وتشرين الاول من السنة الماضية وتبني السيد نصر الله لها. ويصل زيسر الى خلاصة أنه مهما كان الامر فقد انتهت ايام الهدوء التي عرفتها "اسرائيل" في السنوات التسعة الاخيرة على الحدود الشمالية، ويمكن أنه قد بدأ العد التنازلي لجولة مواجهة اخرى بين "اسرائيل" وحزب الله، مشيراً الى استعداد السيد نصر الله لأخذ المخاطرة في مواجهة "اسرائيل".
كلمات يعالون لم تسعفه لنشله من قاع الازمة التي يمر بها كيان الاحتلال، لأن الازمة التي أوقعته بها المقاومة ليس من السهل الخروج منها، خاصة أن كيان الاحتلال الكثير العجب بنفسه، لناحية تفوقه العسكري والتقني، يغوص في شبر من الماء.
إذاً، لم تعد تصريحات قادة العدو محل كثير من المتابعة والاهتمام، لأنها أصبحت استعراضية وعنترية تماماً كما كان يفعل العرب في القرن الماضي، ولو كانت تصريحات قادة العدو ومنها يعالون تثير الريبة لما أطلق المستوطنون صرخات استغاثة، ولا فقدوا ثقتهم بجيشهم، واصبحت لديهم قناعة تامة بأن جيشهم اصبح مكبلا وليس باستطاعته التحرك خطوة الى الامام، ويقف على "إجر ونص" كما عبر السيد نصر الله.
تصريحات يعالون تنم عن مخاوف من قوة حزب الله القتالية والنارية التي يمكن ان تتسبب بقلق "لاسرائيل"، خاصة وأن حزب الله أعلن صراحة أنه سيرد على أية حماقة إسرائيلية، مهدداً بالدخول الى إصبع الجليل، فأراد - أي يعالون - أن يستبق الامور بتهديد فضفاض، لا يسمن ولا يغني المستوطنين من جوع، فحاول توجيه رسالة هدفها ردع حزب الله عن أي مواجهة مقبلة، لكن هذه الرسالة وصلت متأخرة لأن رسالة المقاومة كانت أكثر دقة وفعالية، ما تسبب بزعزعة كيان "اسرائيل" بالكامل.