مصعب قشمر
طالما تغنى العدو الصهيوني بامتلاكه لقوة ردع لا تقهر، وأن له اليد الطولى في مواجهة أعدائه. هذا المفهوم بقي عنوان القوة "الاسرائيلية" لعقود من الزمن. لكن مع دخول المنطقة عصر المقاومة بدأ هذا المفهوم بالسقوط والتلاشي، ولم يعد الجيش الإسرائيلي ذلك البعبع الذي يخيف خصومه. فهوى الردع الصهيوني عن عرشه، واستسلم لمعادلات جديدة فرضتها المقاومة. تهافت قوة الردع "الاسرائيلية" بدأ يتسع مع صعود وبروز قوة المقاومة، إذ إنه مع كل جولة أو مواجهة امام المقاومة تفقد قوة الردع "الاسرائيلية" شيئاً من عزتها، وكان آخرها المعادلة التي رسمتها المقاومة خلال عملية مزارع شبعا المحتلة.
"اسرائيل" بدأت تقتنع بوجود قوة ردع مقابلها، وتحسب لها حساباً، بعد ان كبلت المقاومة أذرعتها، وجردتها من جبروتها، فبات مفهوم الردع لدى الصهاينة أنفسهم موضع شك وتزعزعت ثقتهم به، واعتبر بعضهم ان قوة الردع فشلت وأصبحت على كفي عفريت (يوسي ساريد)، ووصل الأمر بتسيفي ليفني إلى أن اتهمت بنيامين نتنياهو بأنه أضر بقدرة الردع "الاسرائيلية"، بعد عملية المقاومة الاسلامية في مزارع شبعا المحتلة.
مفهوم الردع
مفهوم الردع، وفق ما يعرفه الخبير العسكري اللبناني العميد المتقاعد محمد عباس، يعني امتلاك الوسائل وبالأخص العسكرية سواء كانت تقليدية أم غير تقليدية والتي من شأنها أن تجعل الحرب مع الخصم حاسمة وخاطفة، ويشير عباس الى أن "الاسرائيليين" أدخلوا هذا المفهوم في عقيدتهم العسكرية، وإذا ما تعرضوا للاستنزاف، فإنهم يوجهون ضربات قاسية الى عدوهم، حيث نجح هذا المبدأ مقابل الجيوش العربية. لكن هذه المعادلة برأي عباس تغيرت أمام المقاومة التي قرأت العقيدة "الاسرائيلية" بصورة صحيحة، واستطاعت أن ترسم معادلة بوجه العدو عبر فهمها لنقاط ضعفه، والتي تتمثل بالجبهة الداخلية والاقتصاد، وإرساء معادلة بعنوان "أن المستوطنين ليسوا أفضل من المدنيين اللبنانيين، وأن قصف المدنيين يقابله قصف للمستوطنين". ويضيف عباس أنه بعد استشهاد الأمين العام لحزب الله السيد عباس الموسوي قصفت المقاومة العمق "الاسرائيلي" وارتسمت ملامح ردعية جديدة، وهي أن المجتمع "الاسرائيلي" يخشى على جبهته الداخلية. وقد استطاعت المقاومة أن تمتلك قدرات كبيرة أصبحت تهدد من خلالها الكيان الصهيوني، وفرضت على العدو منطق الردع.
ويؤكد عباس أن مفهوم الردع "الاسرائيلي" وصورة الجيش الذي لا يقهر تهشمت خلال حرب 2006، إذ عجز العدو عن خوض حرب سريعة مع المقاومة التي نقلت المعركة الى داخل "اسرائيل"، لافتاً الى أنه من خلال عملية القنيطرة وما قبلها سلمت "اسرائيل" بأن لدى المقاومة قوة ردع، لكنها رفضت التسليم بهذه القيود، وانتقلت من العمل العسكري الى العمل الامني، دون أن تعلن مسؤوليتها عن هكذا عمل، لأنها تعلم أن الحزب يمتلك قدرات ردع، وأنه سيرد إذا تجاوزت "إسرائيل" الحدود الحمر. وعندما قصفت "إسرائيل" مواقع في جنتا وفي سوريا تحت عنوان عدم السماح بتمرير سلاح كاسر، أتت المقاومة لتثبت أن مفهوم الردع يسري على الجبهة اللبنانية والسورية. ويستدل عباس على ذلك بأنه عندما اغتال العدو كوكبة من شباب المقاومة في القنيطرة، أراد أن يحقق إنجازاً استراتيجياً، لكن رد المقاومة أتى ليقول إن الجبهة واحدة والمعركة واحدة. وقد أعادت عملية مزارع شبعا العدو إلى القواعد المعروفة، وأفهمته أن البيان رقم واحد يدخل في صلب الردع، وإذا تمادى في عدوانه فهناك البيان رقم 2 و3. ويشير عباس الى أن "الاسرائيلي" هدف من خلال هذه العملية إلى تعزيز قوة الردع مقابل المقاومة، بيد أنه فشل في تحقيق هذا الهدف، وجلب على نفسه نتائج عكسية أدت الى تضرر قوة الردع "الاسرائيلية".
تآكل قوة الردع
لو كانت "اسرائيل" تمتلك قوة الردع لكانت نجحت في حرب تموز، وفق ما يقول اللواء المتقاعد يوسف شرقاوي (الضفة الغربية). لكن الحرب جرت بعكس ما تشتهي الرياح الأميركية، واستطاعت المقاومة أن تردع الأذرع "الاسرائيلية". ويلفت شرقاوي الى أن "اسرائيل" تحاول ترميم قوة ردعها، لكنها عجزت وفشلت في تحقيق ذلك، وأن قوة ردعها في تآكل مطرد، ولم يبقَ منها إلا القليل، وهي تعتمد على الخرق البشري والالكتروني لتحقيق أهدافها.
ويعتبر شرقاوي أن نتنياهو أخطأ في تقديره على الأرض، عبر اعتقاده أن الردع سيكون من طرف واحد أي من الجانب "الاسرائيلي". ويعتقد شرقاوي أنه سيكون هناك تفوق ردع مستقبلي لصالح المقاومة على "اسرائيل"، وهذا سيؤدي الى تغيير قواعد اللعبة لصالح محور المقاومة.
ويصف شرقاوي عملية المقاومة في مزارع شبعا المحتلة بالخرق الاستراتيجي، لأن القافلة العسكرية كانت محصنة بمعطف واقٍ، لكن إدخال المقاومة للجيل الرابع من صواريخ كورنيت أفشل المعطف. ويلفت الى أن أجهزة الأمن "الاسرائيلية" لم تتوقع أن يكون هناك رد على غارة القنيطرة، وهذا يدل على أن القوة "الاسرائيلية" تعتمد على الغطرسة.