إيمان بشير
كُثر هم الذين لا يعرفون الشهيد حسن، ولربما لم يلقَ خبر استشهاده حيّزاً كبيراً ولم ينل حقّه لدى الناس، لأن غالبيتهم لا يعرف من هو "أبو الهمم" كما يسميه أصدقاؤه. في هذه الأسطر لن نتحدث عن بطولات الشهيد العسكرية، ولا عن حياته الجهادية، بل سندخل الى الحياة الخاصة، لأن ما بداخلها يستحقّ أن يُذكر في دفاترنا، وفي طيّاتها ما يجب أن يكون بين صفحاتنا، بل لربما نأخذه مثالاً نقتدي به في كل حين.
"ارفعن رؤوسكنّ عالياً".. ٨ أخوات لحسن كانت كل واحدة منهن أماً له على طريقتها الخاصة، فيتيم الأب والأم منذ الصغر، لم يعِ على والدة واحدة فحسب، بل ثمانية كنّ له عوناً وصدراً حنوناً.
رغم مسيرته المقاومة، كانت للشهيد حياته الخاصة التي يتمتّع بها أي شاب في عمره. كان متميزاً بكتابة الشعر. أولى قصائده كانت «الحنين» المهداة الى أمه المتوفية. "كرة القدم" هوايته المفضلة، فكان لا يتخلى عن لعبها حتى تحت شدة المطر. كان يتابع الفنانين، يحب "زياد الرحباني" ويفضّل "عادل إمام"! حسن كسائر البشر يحب ويكره، له قصصه العاطفية الخاصة، التي توّجها أخيراً بخطوبة قبل ٥ اشهر من استشهاده. كان يعيش للحياة لا للموت. مخطئ من يظنّ أن المقاوم يعيش للموت.
كان يحضّر منزله للزواج، وكان على أهبة تخرّجه الجامعي أيضاً. عمله في المقاومة لم يمنعه من نيل شهادة الفيزياء. كان مدرساً خصوصياً، فـحسن طالب ذكي مثقف، لطالما تفوّق في مدرسته. كان يعمل في الصيف كي يجمع قسط المدرسة للشتاء، حتى أنه كان يحمل دروسه الى مكان عمله مع المقاومة لكي ينهيها هناك، فلا يقصّر يوماً في حقّ هذين العملين الجهاديين.
هكذا كان "أبو الهمم". دائماً ما يسارع الى مساعدة غيره. كان المتطوّع الاول والدائم في المجالس والمناسبات، والعون لأهل بلدته، وجيرانه، وعائلته. كان اول من يحضر في تشييع رفاقه الشهداء، ويعود مغطىً بالوحل الى المنزل، فتراه أخته وتعرف كما عوّدها انه كان في "تشييع شهيد".
الجميل عن حسن لم ينتهِ هنا. لقد اعتاد تنظيف المكان الذي يسكن فيه ورفاقه المقاومين.، كان يحرص على ترتيب أغراضهم، كما في بيته، الذي لا يتجاور عدة امتار، يسكنه واخته الأم منال. علاقته بمنال سنختصرها بهدية لا ينساها "حسن الحنون" في كل عيد ام، ليقدمها لها وكأنه يعلم أنها ستشتاقه يوماً، وسترى في هداياه البسيطة ذكراه، وستعلّق وسم "اخت الشهيد" على صدرها كما تعلّق صورته في الغرفة الآن.
كل هذه الصفات وغيرها لا تفي الشهيد حقّه، وهو الذي كتم مسير عمله، والتزم الصمت عن التفاصيل. كان اذا ما غاب أياماً يقول لأخته انه مع أصدقائه. منال لم تكن تعلم مكان عمله الذي يبعد امتاراً عنها. لم يكن حسن يتكلّم بشيء يخص المقاومة. كان شديد السرية، يكتم أخبار العمل ، وكان كلما سألته عن عمله يجيبها: "ستعلمين لاحقاً"، اي بعد نيله الشهادة.
ترى كل هذا في عيون أصدقائه، الذين يحدثونك عن الشهيد دون كلل او ملل. يقول صديقه الاقرب "علي": "لقد غاب عنّا كثيراً قبل استشهاده، وكأنه يحضرّنا ويهوّن بذلك علينا غيابه الابدي"، "كان يجلس معنا يحدثنا ساعات طوالاً، لم ترونا هذه الساعات من ثقافته الواسعة، التي زادت على جماله جمالاً. وصيته الوحيدة كانت أن يدفن تحت قدمي والده، وهذا ما كان. "أبو الهمم" لم يعد بيننا، لكن طيف الشهيد وشرف ارتباطنا باسمه كانا كافيين لننال السكينة والصبر.
●ولد الشهيد في 22 / 1 / 1990
●استشهد في 25 / 7 / 2014
●من بلدة بني حيان الجنوبية