بين عرّابة فلسطين وجنوب لبنان
ياسر رحال
في الحديث عن الحرب الناعمة والغزو الثقافي وعقيدة "كي الوعي" الصهيوني التي شنها حزب الله على أكثر من جبهة تتكشف يوماً بعد آخر دقة التناول الإعلامي لبعض الأدوات ومنها ما سنعرضه في هذه المقالة.
جمع العنوان الذي يتصدر هذه المقالة فلسطين ولبنان. وهذا الجمع ليس من باب المقاومة التي تآخت حتى اقتسمت رغيف الخبز، ومخزن الرصاص وصولاً إلى الخبرات التي تراكمت على مدى أجيال. الجمع هنا يأتي من باب النموذج الذي اعتمده العدو من أجل "كي الوعي" العربي في مرحلة الاحتلال التدريجي لفلسطين، والرد بنفس النموذج من "كي الوعي" والذي نجحت المقاومة الإسلامية في تنفيذه وتعميمه من أجل إيقاظ الغافلين وإظهار قدرة الردع التي لو أحسن استخدامها لبان الوهن في العدو الصهيوني وجيشه وانهار منذ زمن.
دبابة عراقية منكّسة في عرابة
يُحكى أن العرب خاضوا حرباً لتحرير فلسطين شاركت فيها مجموعة من الجيوش منها الأردني واللبناني والسوري.. والعراقي الذي سيكون طرفاً في هذه القصة.
الدبابة العراقية على بوابة مقبرة جنين
يُحكى أيضاً ان العصابات الصهيونية في العام 1948 وخلال معركة اغتصاب فلسطين وصلت إلى جنين واحتلتها، ووصلت إلى سراي جنين وحاصرت السراي، فاطلق مسؤول الإشارة في السراي نداء استغاثة عبر اللاسلكي. في هذا الوقت تلقت كتيبة مدفعية من الجيش العراقي كانت متوجهة من نابلس إلى طول كرم النداء، فحضروا إلى مدخل عرابة ولم تكن السرايا تحت مرمى العين، فاعتمدوا على عامل الإشارة في السراي ليصحح لهم الرمي، وتمكنوا من ضرب القوة الصهيونية التي حاصرت السرايا وحرروا جنين ثم أكملوا باتجاه اليمون والخضيرة وصولا إلى زلعين متوجهين نحو حيفا. عندما وصل الخبر إلى مسؤول العصابات اليهود في حيفا أرسل رسالة إلى قائد لواء المدفعية العراقية اللواء الركن عمر علي انه على استعداد لإخلاء يافا على شرط ان يتعهد عمر علي بعدم المس بسكانها اليهود.. وهكذا كان*.
المهم ان تلك الكتيبة لاحقاً استشهد افرادها بالكامل وأقيم لهم نصب تذكاري ووضع الصهاينة بجانب ذاك النصب صورة لدبابة عراقية (البعض يقول انها أردنية) كدليل على الانكسار العربي في حرب فلسطين. وهذا المشهد تحول إلى مزار للصهاينة يتصورون عنده ويربون اولادهم على نظرية القوة الصهيونية والقدرة على كسر العرب بدليل هذه الدبابة.
.. دبابات صهيونية منكّسة في جنوب لبنان
بالعودة إلى أيامنا الحاضرة، تمكنت المقاومة الاسلامية وطوال سنوات المواجهة مع العدو الصهيوني من كسر هذه القاعدة، وترميم الذاكرة عبر مشاهد مصورة تؤكد القدرة على "كي الوعي" الصهيوني في هذا المجال وترسيخ صورة الإنكسار في معسكره.
مقبرة الميركافا في جنوب لبنان
فمنذ النداء الأول الذي صدح من مكبرات صوت العدو في بيروت في العام 1982 وبعد ثلاثة أشهر من حصارها ودخولها معلناً: " يا اهالي بيروت.. لا تطلقوا الرصاص.. نحن منسحبون"، وفي نفس العام مع إعلان الحداد على قتلاه في عملية الشهيد أحمد قصير وتفجير مقر الحاكم العسكري في صور، وإطلاق صفارات الإنذار في الكيان وتخصيص ساعة من الحصص الدراسية للحديث عن العملية، ومع الإعلان الصريح للمقبور اسحاق ربين في العام 1993: "لقد هزمنا حزب الله" بعد عملية شيحين ومقتل 13 جندياً صهيونياً، والخروج الذليل لـ"إيهود باراك" في 25 أيار/ مايو 2000 من لبنان وصولا الى العام 2006 والهزيمة التي ما زال العدو يقرأ في دفاترها الى اليوم، تتشكل ثقافة القدرة على المواجهة وكسر العدو مهما علت امكاناته وقدراته العسكرية. وما التقارير الإعلامية التي تبث في كيانه يومياً حول المرضى النفسيين والإعاقات التي لحقت بالجنود والذين ما زالوا يعانون من آثرها إلى اليوم الا دليل على الانكسار والسقوط في "مستنقع الوحل اللبناني" على حد تعبير "آخر ملوك اسرائيل" ارئيل شارون.
أما النموذج الأبرز فكان في العام 2006، حيث كانت مشاهد فخر الصناعات الحربية الاسرائيلية دبابة "الميركافا" من الجيل الرابع منكسة او محترقة او مرمية على جانب الطريق تنتشر كالنار في الهشيم في وسائل الإعلام ما حولها إلى كتلة خردة معدنية لا تصلح للبيع.
بين عرّابة ـ جنين، وجنوب لبنان تاريخ غير اتجاه عقارب الساعة وأعاد الزمن إلى بداية المعركة ليعيد رسم مسار جديد تحت شعار: "كي الوعي" و" ولى زمن الهزائم وجاء زمن الانتصارات".
*يحكى ان ما جرى بعد ذلك هو ان طائرة عراقية حضرت ونقلت عمر علي إلى قباطية مجدداً لمنعه من استكمال التحرير على عادة الأنظمة العربية عندما تحقق جيوشها نصراً على العدو فتكون هي شريكة العدو ضد جنودها المنتصرين. أما الكتيبة المؤلفة من 50 جنديا فاستشهد 45 منهم معروفون بالاسماء والنصب التذكاري لهم ما زال موجوداً أما الخمسة الآخرون فهم مجهولون.