أسرع يا بني ستتأخر عن موعد إجراء الامتحان. استيقظ علي*، لبس ثيابه، ودع والدته وتخطى درجات السلم، مسرعًا ليلحق بامتحانه في الحوزة الدينية، حيث يتلقى تعليمه.
استقل دراجته النارية، ودعاء والدته له بالتوفيق لم يبارح تفكيره؛ ولكن عند منتصف الطريق، حدث ما لم يكن بالحسبان، إذ تعطلت مكابح الدراجة. نزل عنها ليرى ما الأمر. حاول إصلاحها لم يفلح. تطلع حوله ليطلب المساعدة، لم يجد أي شخص، فالوقت كان مبكرًا. وقف في حيرة من أمره، وتساءل ما العمل، سأتأخر عن امتحاني؟. بعد دقائق عدة، أقبل نحوه رجل في لباس عربي. لم يهتم علي في بادئ الأمر به، لأن الرجل كان كبيرًا في السن ولن يستطع مساعدته. ولكن مع اقتراب الرجل منه، تعلقت نظرات علي بعينه، فأحس برهبة هذا القادم والنور يشع من وجهه. ربت العجوزعلى كتف علي وهمس بكلمات، لم يفهم منها علي سوى أن الوقت قد حان. ثم أخبره بأن يستقل دراجته ويكمل طريقه؛ فالموعد قريب...
رحل الرجل. أدار علي محرك الدراجة فاشتغل محركها. "الله أكبر الله أكبر، سبحان الله"، قال علي بصوت عالٍ متعجبًا من الأمر. تيقن علي حينها بأن ذاك رجل صالح، أرسله الله إليه ليخبره باقتراب شهادته. فرح كثيرًا، فقد حان أوان تحقيق أمنيته، فيكون قريبًا من السيد عباس الموسوي(رحمه الله).
أكمل علي طريقه. أجرى الامتحان بنجاح. بعد شهر تخرج من الحوزة الدينية بصفة شيخ، فعرف بين أهله بالشيخ العابد لكثرة تقواه وورعه. لكنه لم يعتمر العمة بسبب التحقاقه بالعمل العسكري في المقاومة.
اندلعت حرب تموز. هيأت الأم الحقيبة التي اعتادت تحضيرها له منذ حداثته، حين كان طالبًا في مبرة السيد الخوئي(قده) بسبب يتمه المبكر. لكن هذه المرة ليست ككل مرة. أحست الأم بانقباض غريب ينبئها بأنها لن ترى علي مجددًا؛ فحاولت ثنيه عن الرحيل، فما كان منه إلا أن احتضنها وقبل يديها، ثم ناشدها الدعاء له بالتوفيق.
هناك كانت المواجهة في قرية مارون الرأس الجنوبية، التي انتصر فيها الدم على السيف، وانكسر العدو الصهيوني شر انكسار بالوعد الصادق لسيد المقاومة وقتال المقاومين البواسل.
خاض علي مع رفاقه مواجهات بطولية، انتقل بعدها بأمر من القيادة إلى حاريص (قضاء بنت جبيل)، ليتابع مع رفاقه المواجهة الحاسمة.
مع حلول الزوال صلى علي برفقاه صلاة الظهر، ليكملوا بعدها المسير في الحقول الجردية؛ وعلى لسان علي تلاوة سورة الدخان. وبعد مسير قصير، كشفهم العدو بطائراته الاستطلاعية، فلم يجدوا مكانًا يلوذون به من نيرانها؛ عندها فتحت لهم الجنة أبوابها، فارتقى علي مع عدد من رفاقه، الذين كانوا معه في المهمة القتالية.
الحنين والشوق
جاءها طيفه الحنون في منامها، وهمست أشواقها أغنية لآلامها، فسارت على أجنحة الليل ترنو اشتياقًا لرؤية وجهه الطاهر. دعاها، لكنها لم تره بعد الاستشهاد، وكم تمنت الحاجة أم حسين أن يدفن قريبًا منها، لتناجيه كلما توهج قلبها شوقًا.
شيع علي في مسقط رأسه الهرمل في موكب كبير، ليوارى الثرى هناك. وتدثرت الوالدة مجددًا بوشاح الحزن والفراق الذي أدمى فؤادها.
رحل علي عن ناظريّ والدته باكرًا، لكنه أضاء شمعة في بيتها في طريقها وطريق إخوته على درب السالكين.
*الشهيد علي نمر يتامى "ولاء" – مواليد الهرمل 19 كانون الثاني 1987 - الوضع العائلي: أعزب – استشهد بحاريص 25 تموز 2006.