الأسير الفلسطيني ثابت مرداوي
تحرير عبد الرحمن وليد
الصدفة قادت الجنود إلى العبوات والصدفة فجرتهم
الساعة في حدود الخامسة من صباح التاسع من نيسان 2002. إنه اليوم الثامن من المعارك في مخيم جنين المحاصر. يروي الأسير ثابت مرداوي. رغم نقص الذخيرة فإن إطلاق نار من بنادق عديدة خرج إلى سماء المخيم مع صيحات الله. نعم، حدثت معركة قتل فيها ثلاثة عشر جنديا صهيونيا. في تلك اللحظة لم نعلم العدد الدقيق، بل عرفناه بعد الاعتقال.
تلك المعركة بدأت عندما حاولت مجموعة من الجنود التسلل بين بعض المنازل التي فيها مقاتلونا. مع الإشارة إلى أن أن توزّع المقاومين داخل هذه المنازل يشبه الكمائن، لأن كثافة القصف وضغط الجرافات ونقص الذخيرة، أجبرتنا على مكوث المقاومين مع المحافظة على الهدوء، حتى إذا ما اقترب الجنود نفاجئهم بهجوم مباغت. ومثل هذا الهجوم يجعل العدو يتخبط ويفقد توازنه، بل لا يقوى على الرد لو برصاصة واحدة مهما كانت قوته.
الحادثة الكبرى التي قتل فيها 13 جنديا دفعة واحدة، جرت قرب منزل كان القائد محمود طوالبة يحضر فيه العبوات الناسفة، وبقي بعضها في المكان. نتيجة إطلاق النار الكثيف، أصابت بعض الرصاصات إحدى العبوات فانفجرت بين الجنود ورفعت عدد قتلاهم، حتى إن بعضهم تحول إلى أشلاء تطايرت في المكان، والتصق جزء منها على الجدران المحيطة.
العجيب أن محمود لم يجعل هذه الواقعة تمر من دون أن يترك بصماته عليها، فهو وإن لم يكن موجودًا إلا أن عبواته الناسفة التي جهزها بيديه تنوب عنه وتقاتل الصهاينة وتقتل كثيرين منهم. كأن لسان حالها يقول: نحن بقية محمود على الأرض. كانت سعادتنا كبيرة بذلك الحدث، لذا استحق طوالبة بجدارة أن يكون فارس المعركة والمخيم.
شهيد عملية حيفا أوقع 12 صهيونيًا بينهم 10 جنود
حيفا تعانق جنين
صوب عروس البحر وعروس الشمال، مدينة حيفا المحتلة والقريبة من جنين. إنها تبكي على ما يحدث في المخيم. تأبى إلا أن تمد يد العون لشقيقتها وتبتلع أرضها اثني عشر صهيونيا بينهم عشرة من الجنود.
القصة الأخرى تعود إلى أن القائد الشيخ خالد زكارنة، وهو مهندس سرايا القدس، تولى مهمة التحضير لتنفيذ عملية استشهادية. كان التحضير لهذه العملية جزءا من التجهيز لصد الاجتياح. الخطة باختصار أنه في اللحظة التي تبدأ فيها قوات الاحتلال عدوانها على جنين، ترد سرايا القدس بمهاجمة العمق في فلسطين المحتلة.
بعد توفير كل المستلزمات المطلوبة للشيخ زكارنة، عمل على إكمال بقية التفاصيل من تجهيز المادة بصورتها النهائية واختيار الآلية والاستشهادي، وتحديد الزمان والمكان المناسبين. في التاسعة صباحا من يوم الأربعاء (10/4/2002) كانت حيفا على موعد مع فارس من فرسان السرايا، لكنها واعدته على اللقاء سرا، خوفا من عيون من اغتصبوها عنوة وقهرا، فجاءها مقبلا مقدّما دمه وروحه في سبيل الذود عن شرفها وعزتها.
هذا الفارس هو الاستشهادي راغب جرادات، ابن إحدى قرى جنين (سيلة الحارثية)، وهو الذي لامس شعر حيفا المنسدل على عنقها الفاتن في سفوح جبل الكرمل. سُلم جثمانه مطلع العام 2014 بعد 12 عاما على عمليته. نفذ راغب (20 عامًا) عمليته في حافلة تقل مجموعة من الجنود الصهاينة، عند "مفترق ياجور" في المدخل الجنوبي الشرقي لحيفا، لتتطاير أشلاء حمولتها، ويعلن الصهاينة عن مقتل اثني عشر بينهم عشرة في لباس الجندية، وعن إصابة عشرات آخرين.
جاءت هذه العملية بعد يوم واحد على قتل الجنود الثلاثة عشر في المخيم. كأن الشيخ زكارنة أراد هذا التوقيت وهذا الهدف في ذلك المكان لغرض كبير. كم تمنيت أن ألتقيه لأسأله عن ذلك الغرض لكن توقه للشهادة كان أقوى، فقد استشهد في 25/5/2002 أثناء خوضه اشتباكا مسلحا برفقة مجموعة من مجاهدي سرايا القدس ضد مجموعة من جنود الاحتلال، ورفض التراجع وأصر على تغطية انسحاب إخوانه وبقي يقاتل. لقد دمر جيبا عسكريا وقتل جنودا، إلا أن الاحتلال لم يعترف إلا بإصابة ثلاثة فقط.
كنت في زنازين التحقيق عندما علمت بذلك. لم أصدق خبر استشهاده وشعرت بأنها لعبة من ألاعيب المخابرات، لكن النبأ كان صاعقة هوت فوق رأسي. أصبحت الدنيا بما فيها أصغر في نظري من رأس إبرة.
في الأيام الأخيرة، كنا نلجأ إلى خيار صعب جدا على نفوسنا، وهو أن نأخذ ما تبقى من ذخيرة أحد الإخوة حين يستشهد ونعطي بندقيته لأخ ليس معه سلاح. هذا حدث مثلا مع المقاتل الصلب عبد الهادي العمري حينما حمل بندقية أخيه وصديقه طه الزبيدي بعد استشهاده.. يتبع.