أن تكون من بيت فيه شهيد، فذاك مفخرة. وأن تكون من بيت فيه شهداء، فهذا عزّ. وأن تكون، ويكون الباقون في هذا البيت على درب الشهداء، فهذا توفيق. أن ترى نفسك يتيمًا على صغر سنك وسن إخوتك، وتزرع فيكم أمكم حبّ الحسين، فسرعان ما ترى الشهيد أخاك. ويستمر العطاء، فترى أبناء يتيمة الشهيد أيتام شهيد. هو عطاء ملؤه الحياة، ولم يكن عطاء يشوبه التناقض والتضاؤل، فهو وجود لا عدم.
لم تلن عزيمة الباقين، فالدرب طويل؛ ولدنا في هذا الدرب، وعلمنا الشهيد السيد محمد باقر الصدر "أن ذوبوا في الإمام"، فكان شمسنا والدفء والأمان مع كل إشراقة من جمران*. ما كان يتمًا في ظل روح الله. وظلت شمس خليفة الإمام، تهدينا وتؤنس فقدنا الأحباب. ومن فوقهم، وفي علم الغياب احتسبنا ما حلّ بنا بأنه فداء لتراب مقدمه.
ما سر الشهادة وجاذبيتها، تصحب شهداء "فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر"، وتمني النفس بأن تكون من الذين "يستبشرون.... ولا يحزنون". تأنس بصورة شهيد، تطرب لسماع وصية شهيد، يرتل آيات عشقه، تسحر لبّك قصة عن شهيد.
نحن نحب الحياة، نحن نعشق مظاهر الحياة، نحن المتصلون بأصل الحياة، ننهل من عين الحياة. مظهر الحياة الأكمل هو مهدينا الغائب، والشهداء لم يكونوا سوى أحياء، ولم يذوقوا الفناء، لا لشيء إلا لاتصالهم بـ "الحي"، فكانوا مظاهر للحياة. ألم تر كيف أحيا شهيدٌ بلدة ميتة، وبيّن فيها الدماء؟ ألم تر كيف أن شهداءنا أمطروا على يباسنا، فأنبت نجيعهم مروج الربيع.
نتسابق إلى الشهادة، رغبناها وسرنا في دربٍ هي أحد خياراتها. هكذا سار مولانا الحسين(ع)، نرى الشهادة بعين ونرى النصر بالأخرى.
في محضر الشهداء كلامنا ليس أكثر من شقشقة نائم في محضر الحياة.