شهداء إحقاق القانون
وقد توزع قادة حزب الله على عدد من المواقع اللبنانية للوقوف وقفة إكبار وتقدير لشهداء لبنان، الذين سقطوا على طريق التضحية والفداء، والذين تككلت جهودهم بنصر مؤزر العام 2000. هؤلاء الشهداء هم الذين تغلبوا على الأمم المتحدة التي أصدرت قرارًا العام 1978 يحمل الرقم 425 يطلب من إسرائيل الانسحاب من جنوب لبنان، دون قيد أو شرط. لم يستطع مجلس الأمن تنفيذ قراره، فقط المقاومة اللبنانية الباسلة هي التي شحذت أسلحتها وثابرت حتى أتاها اليقين، وهو نصر الله المبين.
شهداء لبنان لم يرفعوا اسم لبنان عاليًا فحسب، إنما رفعوا اسم الأمة العربية كلها. هم أول من حقق انتصارًا واضحًا لا لبس فيه على إسرائيل. جيوش عربية ولت الأدبار العام 1967، ولم يغسل عارها إلا بضعة آلاف من جنود آمنوا بربهم، وصمموا على السير في درب الشهادة أو النصر. لقد استشهدوا، ونحن انتصرنا بدمائهم وتضحياتهم. لقد أنهى شهداء لبنان مسلسلا طويلا من الهزائم العربية على مختلف المستويات العسكرية والأمنية والثقافية والفكرية، وفتحوا صفحة جديدة من الأمجاد العربية. ومنذ ذلك الحين، لم تنتصر إسرائيل على العرب. فقد تلقت هزيمة كبيرة العام 2006، وأخفقت إخفاقًا ذريعًا في حروبها على غزة، في الأعوام 2008/2009، 2012، 2014. وكما قدر السيد حسن نصر الله، فلقد ولى زمن الهزائم، وحان زمن الانتصارات. إسرائيل لن تنتصر على العرب من جديد إلا إذا حاربت المهزومين من الأنظمة العربية، لكن المقاومة العربية الإسلامية أصبحت عصية، واكتسبت ما يكفي من فنون القتال والتكتيكات العسكرية، التي تؤهلها لإبقاء جيش إسرائيل على أعصابه في حالة ارتباك مستمر.
زمن التحولات
العام 2000 هو عام تحول تاريخي سيبقى صدى تبعاته مدويًا في سماء العرب لسنوات طويلة، وسيسجله التاريخ على أنه نقطة الانبثاق العربي نحو البناء الحضاري والتقدم في مختلف مجالات الحياة. وكل من يستهين بهذه اللحظة التاريخية الحاسمة، إنما يقرر ألا يرى التاريخ على حقيقته، أو يقرر الهروب من رؤية إنجازات حقيقية عظيمة قلبت ظهر المجن. ظنوا أن جنوب لبنان سيضاف إلى نقاط العار العربي، فخرج رافعا رأسه متحديا أقوى الامبراطوريات عبر التاريخ.
تبع هذا النصر نصر آخر العام 2006، عندما رأت إسرائيل إلى أن استمرار قتالها ضد لبنان لن يأتي عليها إلا بالمزيد من الدمار والخذلان. فرح الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة، العام 2006 على اعتبار أن الحرب ستتمخض عن ولادة الشرق الأوسط الجديد، فإذا بكوندوليزا رايس، المخططة الاستراتيجة الفذة تلطم الخدود عندما رأت إلى أن الحرب تسير على غير ما تشتهي، وأن الشرق الأوسط الجديد الذي سيولد هو الشرق الأوسط العربي لا الأمريكي.
لقد تبخرت آمال أمريكا وإسرائيل، ومعها آمال الحكام العرب الذين تآمروا على حزب الله. وخيبة الأمل أصابت كل عملاء أمريكا في المنطقة العربية الإسلامية، وعلى رأسهم العملاء اللبنانيون الذين يرفضون حتى الآن الاعتراف بنصر حزب الله. إسرائيل تقول إنها أخفقت وهم لا يتوقفون عن إرسال الرسائل لها يمجدون لها نصرها المهزوم. وهذا يعبر عن التفكير العربي المشلول الذي يمضي في عدائه لأبناء وطنه في الداخل أشد بكثير من عدائه مع الذين من المفترض أن يكونوا أعداءه. تمنى عرب كثر ولبنانيون أقل أن تنقلب الطاولة على رأس حزب الله، ويمنى بهزيمة، لكن دماء الشهداء كانت لهم ولإسرائيل بالمرصاد وأفسدت عليهم تمنياتهم.
القوة ترفد القوة .. القوة تردع القوة
وقد نقل حزب الله تجربته القتالية إلى المقاومة الفلسطينية، فوقف معها في تهريب السلاح والمواد الخام اللازمة لتصنيع السلاح، وهرب الأموال، وأنشأ خطوط تهريب على مستوى عال من الدقة، وسقط له العديد من الشهداء وهم يهربون المواد المطلوبة عبر السودان والبحر الأحمر. لقد قدم حزب الله كل أنواع الدعم للمقاومة الفلسطينية، في حين قام فلسطينيون وحكام عرب بالتآمر على هذه المقاومة بهدف القضاء عليها ودعم أمن إسرائيل. ومثلما هناك لبنانيون يبحثون عن الهزيمة للبنان، هناك فلسطينيون يبحثون عن الهزيمة لفلسطين.
مأساة لبنان هي ذاتها مأساة فلسطين، بحيث أصبح الذي يدافع عن وطنه متهما، والخائن وطنيا. مثلما هو الأمر في فلسطين، حزب الله يعاني بقوة من اللبنانيين الذين يرفضون الدفاع عن وطنهم، ويعملون على منع من يريد الدفاع عنه من ذلك. معادلة إسفافية من المذلة والخنوع والاستسلام. حزب الله يعمل على حماية لبنان، وغيره يدعم من يهدد لبنان عسى أن يؤدي ذلك إلى هزيمة لبنان. لا عليه، ليحصل ما يحصل في لبنان من قتل وتدمير، لكن المهم انهيار حزب الله. هذا لن يتأتى لهم ولا لأمريكا ولا لإسرائيل.
هناك من يأخذ على حزب الله تبنيه للقضية الفلسطينية على الرغم من أن بعض الداخل اللبناني يكبله، ويقف له بمرصاد التشهير والتحريض والإسفاف كلما عبر عن حقيقة موقفه من فلسطين.هناك فلسطينيون يشاركون أذلاء لبنان في هذه الرؤية، وهم من ذات الفصيل. لكن حزب الله، وعلى الرغم من كل ما يقال لا يدخر جهدًا يمكن أن يقدمه للفلسطينيين، وكل هذه الصواريخ والأدوات القتالية التي يراكمها حزب الله، ليست لقتال سمير جعجع، وإنما استعدادًا لمواجهة إسرائيل. وإذا كانت إسرائيل ترتجف خوفًا الآن، فذلك بسبب حزب الله. المقاومة الفلسطينية تمتلك الآن قدرات قتالية تتطور باستمرار، لكن القوة التدميرية للحزب أكبر بكثير من القوة التدميرية للمقاومة الفلسطينية، وإسرائيل تدرك بأن حياتها اليومية ستتعطل في ما إذا نشبت حرب مع حزب الله.
حزب الله شأن فلسطيني
على الرغم من أن الشعب الفلسطيني بحاجة ماسة إلى قوة حزب الله العسكرية، إلا أن هناك فلسطينيين ولبنانيين يعدون دعم حزب الله لفلسطين تدخلا في الشؤون الداخلية للفلسطينيين. هذا قول مردود على أصحابه. إسرائيل تتدخل في الشؤون الفلسطينية، ولا نسمع أصواتا تعلو ضد هذا التدخل، وأمريكا تتدخل ودول عدة تحشر أنفها بالشأن الفلسطيني دعما لإسرائيل وضد المقاومة. حزب الله يقدم الدعم ولديه الاستعداد لتقديم الشهداء دفاعا عن فلسطيني، فهل أكون ناكرا، وأكون خائنا وأرفض دعم حزب الله؟
إن الذين يستقبلون التدخل الصهيوني والأمريكي ويستعطون من الدول الغربية لا يمثلون الفلسطينيين. البندقية وحدها هي التي تمثل فلسطين، وأهلا وسهلا بكل بندقية عربية وإسلامية شريفة على أرض فلسطين، فعدونا لا يعرف ولا يفهم سوى لغة الاستشهاد التي تفرش الأرض بأكاليل الانتصار.
أكاديمي وكاتب فلسطيني