الأسير الفلسطيني ثابت مرداوي
تحرير: عبد الرحمن وليد
أثناء تأميننا ذهاب من تبقى من الأهالي خارج مخيم جنين، لم أنتبه (الأسير ثابت مرداوي)، وبعض المقاومين الذين كانوا معي، إلى أننا صرنا على الشارع الرئيس، بفعل الدمار الكبير. المكان تغيرت خريطته بسبب الخراب المجنون. فجأة وجدنا أنفسنا وجها لوجه مع المدرعات الصهيونية التي كان يفصلنا عنها مجموعة النساء والأطفال الذين أتينا لإرجاعهم.
بفضل الله فإن الجنود في هذه المدرعات، بالإضافة إلى آخرين كانوا يتمركزون في منزل على اليمين، لم يروننا، لكن طائرة عمودية في الجو، لم نلحظها لأنها مطلية بلون أبيض، ألقت علينا صاروخا سقط على بعد أمتار قليلة، الأمر الذي جعلنا نستند إلى زاويا صغيرة متبقية من منزل مهدوم.
بحثت بنظري خارج المنزل عن مخرج. كان من غير الممكن الخروج لأن أمام مدخل المنزل الغربي تتوقف دبابة، ومثلها تقدمت أخرى وتوقفت أمام مدخله الشرقي من حيث دخلت بعد أن لاحظت حركة في المكان. شعرت أنني في مأزق حقيقي لم أعش مثله منذ بداية الاجتياح. المنزل محاط بالدبابات ولا أملك غير مشط ونصف من الذخيرة لأن البقية في حقيبة (أ.هـ)، وكنت مصابا لا أقوى على حمل أكثر من ذلك.
بعد طول تفكير، ليس من خيار سوى المكوث في المنزل، وننتظر أنا و(أ.د) إذا دخل علينا الجنود أن نفرغ فيهم الرصاصات المتبقية، مع العلم أن (أ.د) لم يكن معه سلاح. بقينا في البيت يأكلنا الجوع والنعاس والتعب.
جوع يفك الحصار
في ساعات الظهيرة من اليوم التالي، الأربعاء، وهو يوم جرت فيه عملية استشهادية داخل الأراضي المحتلة، سنتحدث عنها بالتفصيل في الحلقة المقبلة، بقينا جالسين في المنزل، لكن الجوع راح يستفز أمعاءنا. قام (أ.د) ليبحث عن أي شيء يؤكل في البيت مع خطر التنقل فيه.
لقد كانت الفرحة كبيرة عندما وجدنا بعض قسمات من خبز يابسة وحبة بندورة (طماطم) كانت في طريقها إلى التعفن. بللنا قسمات الخبز بالماء ليصبح مضغها ممكنا وأكلناها مع حبة الطماطم. تراجع الجوع قليلا، لا بفعل تأثير "الطبق الشهي الذي التهمناه"، بل لأن جنود الاحتلال لاحظوا حركتنا فراحوا يطلقون علينا قذائف الأنيرغا والرصاص.
أول قذيفة أطلقت علينا أسقطتنا أرضا، كذلك أصبت ببعض الشظايا في يدي اليمنى. جرينا باتجاه مصعد الدرج، ومنه إلى الطابق العلوي حتى نتمكن من الوصول إلى البيت المجاور. كان بين المنزلين نافذتان متقابلتان يفصل بينهما متران من الفراغ. عبرنا مسافة الفراغ بين النافذتين قفزا. كان من المستحيل علي قطع هذه المسافة، لأنني أصبحت مصابا في كلتا يدي، لولا مساعدة (أ. د).
شعر جنود الاحتلال بانتقالنا إلى المنزل الثاني فأخذوا يطلقون الرصاص، ونحن نبحث عن مخرج وجدنا بضع حبات برتقال كانت مفيدة جدا خاصة أنني بدأت أشعر بدوران في رأسي نتيجة الدم المتدفق من يدي.
فجأة صار المنزل الثاني يهتز ويتمايل بفعل جرافة صهيونية من جهة الجنوب. كان علينا أن نخرج في أقل من دقائق معدودة وإلا هرسنا تحت أنقاضه. بمجرد أن أدارت الجرافة وجهها إلى الجهة المعاكسة نجحنا في الهرب بأعجوبة.
لوحة الدمار والخراب
رحنا نتراكض فوق الدمار وبين الأنقاض. وسط المخيم الذي سوي كله بالأرض، وجدنا أثناء ركضنا سقف منزل انهارت جدرانه وبقي معلقا، وأيضا أرضية منزل قائم الزاوية اختبأنا تحتها، ثم نظرنا حولنا لنجد أنفسنا وسط لوحة من الدمار والخراب رسمتها الجرافات.
لم نتحمل صدمة الواقع واغرورقت أعيننا بالدموع. سرعان ما سمعنا وقع أقدام آتية من الشرق نحونا، أدركنا أنهم مجموعة من المقاومين. كانت فرحتنا لا توصف فقد ردوا إلينا الروح، وعادت برؤيتهم الحياة إلى أجسادنا. كان من بينهم الإخوة جمال حويل وعلاء فريحات و(أ.أ) و(أ.س) و(ص.هـ). أخبرونا بأنهم لجأوا إلى هنا بعد أن هدمت جرافة المنزل الذي كانوا فيه.
أحصينا ما بقي من الرصاص. لم يكن هناك غير ممشطين على أفضل تقدير لكل بندقية من السبعة الموجودة، علمًا بأن كميات كبيرة من الرصاص دفنت تحت أنقاض البيوت التي انهارت بفعل القصف الصاروخي أو التي هدمتها الجرافات. فكيف سنكمل القتال؟... يتبع.