"رح كون شوكة بحلق المشروع الصهيوني"، لكنه كان أكبر من شوكة، فبالأمس استنفر الكيان وقادته. أعلن الاحتلال أنه اجتمع على أعلى مستوى أمني بحضور رئيس الوزراء وقيادة الجيش والأمن والشاباك. العملية ليست في أي مكان، إنها القدس التي كان يتغنى بأمنها بنيامين نتنياهو قبل أسابيع وهو يضع حجر البدء لوصل نفق القطار الأرضي السريع بينها وبين تل أبيب، والزمن زمن "داعشي" وضع الأعراب فيه القدس في ذيل الاهتمامات، ما سمح لإسرائيل بالتجرؤ وإغلاق بوابات الأقصى لأول مرة منذ احتلال المدينة.
ذلك الذي أراد أن يكون شوكة في حلق الاحتلال هو الشهيد الشاب الثلاثيني معتز حجازي، ابن حي الثوري في المدينة، وقال جملته العام 2012 بعدما تحرر من 11 عامًا من الأسر.
حجازي، ابن حركة الجهاد الإسلامي، لم يكن الأول في المدينة فقد سبقه عبد الرحمن شلودي في عملية دهس قرب محطة قطارات المدينة، وقبلهما شهيد (من عائلة جعابيص) استخدم جرافته لقلب باص للمستوطنين.
كلهم أعلنوا أن المقاومة مبدأ، وأن الواجب أكبر من الإمكان، فلا عذر لمن لم يجد السلاح أن لا يقاتل، فكيف بمن يملك أكبر العتاد?
أما حجازي، فكان سهلًا أن ترى في عينيه وهو يتحدث كيف يخبئ الثورة حتى أزهرت في تشرين. لم يكن يحدق في الكاميرا كثيرًا، كأنه كان مشتت الذهن ويفكر في شيء آخر، هو الرد، وفعلًا بعد سنتين أوفى لنفسه وقدسه التي أحبّ.
لم يكن يعلم ذلك الطفل الذي تربى في الإمارات أن عودته إلى القدس ستكون بداية لمسيرة مقاومة، فهو اعتقل العام 2000 مع والده، لكنه رفض أن يُحرق شبابه في القيد. ويروى كثيرا عن صلابته، إذ لم يعترف بأي تهمة، بل هجم على المحقق الذي كان يعذبه وتمكن منه وضربه، ولذلك تلقى عقابا بالعزل الانفرادي، حتى خرج مجددا وشحذ سكينا هجم بها على سجانين وأصابهما، ثم أعيد إلى العزل الانفرادي مجددا حتى انتهاء حكمه.
كالصقر كان يكمن لعدوه، فصابر نفسه وهو يعمل في مطعم لمركز تراث بيغن، حيث يجتمع الخبث الصهيوني لتدمير القدس. رصد هدفه جيدا واختار من يرغب الفلسطينيون في "تأديبه". حاخام يميني متطرف، وعلامة بارزة في اقتحامات الأقصى، بل من شدة إخلاصه للمشروع الصهيوني كان يحاضر قبل إطلاق معتز النار عليه في "عودة الهيكل".
كل ما طلبه معتز سؤال واحد من المستوطن ايهود غليك، هل أنت غليك? . كانت إجابة الأخير كافية حتى يطلق حجازي رصاصاته الأربعة في صدر مدنّس القدس وبطنه.
بعد ذلك عاد معتز صامتا إلى بيته عقب نجاحه في تنفيذ مهمة معقدة التفاصيل، لكن عيون الفضاء والأرض سرّعت وصول الغدر إليه، فاستشهد بعد اشتباك سريع مع القوات الإسرائيلية الخاصة.
لعل أكثر سؤال يراود من في القدس، لمَ لمْ تُطلق النار يا معتز على رأس غليك، ولمَ أربع رصاصات فقط?. لا أحد يعلم السبب، لكن غليك بقي حتى كتابة النص يتعذب في سرير الموت والخطر، فيما ارتقى حجازي بشهادة الأبطال رافضا عودته إلى اعتقال الجسد... أو الروح.