كثيرًا ما نحزن لفقد من نحبّ، لاسيّما إذا كانت تربطنا بهم علاقة وطيدة، كأحد الأقرباء أو الأصحاب؛ لكن يحدث أن يتألم قلبك لشخصٍ لم تلتقِ به، لم تعرفه يومًا، لم تحدّثه، لم تجالسه، فقط حينما ترى صورتَه وتسمع عنه، تشعر بأنّك فقدت عزيزًا.
وهذا الحال يا علي*. ففي الخامس عشر من شهر رمضان الذي صادف هذا العام للثالث عشر من تمّوز، زفّت المقاومة الإسلاميّة فارسًا من فوارسها الأبطال. رحت أبحث في الأسماء عن اسمه، وفي الصّور عن رسمٍ يدلّني عليه، فقرأت "علي حسن رشيد النّمر"، ابنُ العشرينَ ربيعًا. لا، لم أعرفه من قبل. نظرت إلى صورتِه، وكأنه وُلد في القلب تلك اللحظة. إنّه ملاكٌ بحقّ. لا أدري ما الذي ميّزه عن كثيرٍ من الشهداء الذين سمعت بهم وعنهم.
حرصت جاهدًا على أن أتابع أخباره، وأفتّش عن صوره فحصلتُ - بحمد الله تعالى- على الكثير منها، ولكن ما زاد تعلّقي بهذا الملاك، هو أنني لم أجد لروضته صورة، ولا حتّى خبر لتشييعه، نعم، فجثمانه الطّاهر كان لا يزال في الأسر.
سمعتُ عن والده الصّابر المحتسب. سمعته أيضًا حين قرأ ما كتبه ابنه الشّهيد قبيل استشهاده، فعلمتُ بأن الشهداء بأجمعهم يصلون إلى مستويات في هذه الحياة، لا يزال أمثالنا نائيًا عنها.
الذي يُعظّم هذا الفتى أكثر، هو ما قد تسمعه حين تسأل عن تفاصيله، عطفه، حنانه، مروءته. لم يُطلب منه أن يكون متقدّمًا في تلك المهمّة، إلّا أنه أصرّ على أن يشارك المقتحمين. شاركهم بجسده وعشقه للفوز بالشهادة، فاختاره الله تعالى "سفيرًا للعاشقين" كما عبّر هو بنفسه في إحدى كتاباته.
تأثّرت كثيرًا، ككل من رأى تلك الصورة لعلي بعد شهادته، وقد احتوشه عددٌ من الأنجاس، فوطئ أحدُهُم صدرَه الشّريف، ولكنني سرعان ما مسحت دمعتي، لأضيف إلى محاسنه فضيلة "أنّه واسى مولاه الحسين حتّى بهذا".
علي، الذي تعلّق به كلّ من رأى صورته أو سمع عنهـ أبى إلّا أن يشارك الموالين بعيدهم الأكبر، وعلى مسافةٍ من العشق ادّخرتها له الزّهراء(ع)، أتى علي ليلة الغدير يلبّي للبيعة، وقد ازدان العيد هذا العام، بعد ثلاثةٍ وتسعين يومًا من الأسر، باستعادة جثمان علي الطّاهر، ليوارى في جنّته في بعلبكّ، في الأرض التي تأبى إلّا أن تتشرّف بدماء هؤلاء الملائكة.
*الشهيد علي رشيد حسن النمر (رشيد) – استشهد في سوريا بتاريخ 13 تموز 2014 – استعيد جثمانه يوم 12 تشرين الأول 2014، وشُيع في بعلبك اليوم التالي.