أهل الثغور ...
ﻋﻠﻰ ﻭﻗﻊ ﺁﺫﺍﻥ ﺍﻟﻤﻐﺮﺏ ﺑﺪﺃﺕ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﺗﺬﻭﺏ خجلًا،  ﺃﻃﻞ ﺍﻟﺒﺪﺭ ﺑﻜﻔﻴﻪ ﻣﻜﺒﺮًﺍ ﻟﻠﺼﻼﺓ . ﺭﺍﺋﺤﺔ ﺍﻟﻴﺎﺳﻤﻴﻦ ﺗﻐﻔﻮ ﻋﻠﻰ ﺭﺍﺣﺔ ﺗﺮﺑﺔ ﺗﻨﺪﺕ ﻣﻦ ﺩﻣﻊ ﺍﻟﻨﺠﻮﻡ. ﻫﻮ ﺳﺎﺟﺪ ﻫﻨﺎﻙ ﻳﻮﺩﻉ ﺃﻧﻔﺎﺱ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺑﺘﻤﺘﻤﺎﺕ ﺍﻟﺪﻋﺎﺀ، ﻭﺃﻟﻒ مَلك ﺑﻴﻦ ﻳﺪﻳﻪ ﻳﻨﺸﺪﻭﻥ ﺃﻏﻨﻴﺔ، ﻋﻠﻰ ﺃﻟﺤﺎﻧﻬﺎ ﻳﺬﻭﺏ ﺍﻟﻌﺎﺷﻘﻮﻥ ﻓﺮﺣًﺎ، ﻭﺗﺴﻜﺮ ﺃﻋﻴﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﺧﻤﺮﺓ ﺍﻟﺤﻨﻴﻦ.
ﺃﻣﺎ ﺑﻌﺪ، ﺃﻧﻬﻰ ﺻﻼﺗﻪ، ﻓﺎﺭﺗﻔﻌﺖ ﻗﺎﻣﺘﻪ ﺳﻨﺪﻳﺎﻧﺔ ﻋﺎﻧﻘﺖ ﺍﻟﻐﻤﺎﻡ، ﻭﺑﺪﺃ ﻣﺴﻴﺮﻩ. ﻓﻲ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ، ﻳﺴﻤﻊ ﻫﻤﺲ حبيبات التراب ﺗﺘﺒﺎﻫﻰ بأن ﺗﻠﻚ ﺍﻷﻗﺪﺍﻡ ﻋﻔﺮﺗﻬﺎ ﺑﺒﻌﺾ ﺗﺤﻨﺎﻧﻬﺎ ﻭﻣﻀﺖ. ﺍﻟﺠﺪﻭﻝ ﻳﺘﻜﺊ ﻋﻠﻰ ﺯﻧﺪﻩ ﻣﺎﺀ ﻃﺎﻫﺮًﺍ، ﻭ ﺟﻞ ﻣﺎ ﻳﺴﻤﻌﻪ : " ﻧﻮﺭ ﻋﻠﻰ ﻧﻮﺭ ، ﻧﻮﺭ ﻣﻦ ﻧﻮﺭ ". ﻳﺼﻞ إﻟﻰ ﺟﻨﺐ ﺻﺨﺮﺓ، ﻴﻠﻘﻲ ﺭﺃﺳﻪ ﻋﻠﻰ ﺻﺪﺭﻫﺎ، ﻭﻳﺴﻤﻊ ﻧﺒﺾ ﻗﻠﺒﻬﺎ ﻛأﻧﻬﺎ ﺃﻡ ﻋﻠﻰ ﺧﺪ ﻃﻔﻠﻬﺎ، ﻭﺍﻟﺼﻮﺕ ﻳﻨﺎﻏﻲ ﻣﺴﻤﻌﻪ : " ﺍﻟﺤﺐ ﺩﻳﻨﻚ ﻳﺎ ﻭﻟﺪﻱ " .

ﻳﻐﻤﺾ ﻋﻠﻲ ﻋﻴﻨﻴﻪ ﻣﺴﺎﻓﺮًﺍ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻌﺮﻓﺎﻥ. ﻳﻌﺮﺝ إلى ﺃﺣﺒﺎﺏ ﻣﻀﻮﺍ، ﻳﺠﺎﻟﺴﻬﻢ ﻭﻳﺤﺪﺛﻬﻢ ﻋﻦ ﺃﻟﻢ ﺍﻟﻔﺮﺍﻕ، ﻋﻦ ﺭﻭﺡ ﺳﺠﻨﺘﻬﺎ ﺃﺻﻔﺎﺩ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﻔﺎﻧﻴﺔ، ﻭﻳﺒﺸﺮﻫﻢ بأن ﻋﻄﺮ ﺍﻟﺸﻬﺎﺩﺓ لا ﻳﻔﺎﺭﻕ ﻓﺆﺍﺩﻩ. ﻓﺠﺄﺓ ﻳﻌﻮﺩ إﻟﻰ ﺍﻟﻤﻴﺪﺍﻥ، ﺑﺪﺃﺕ ﺃﺻﻮﺍﺗﻬﻢ ﺍﻟﻘﺎﺗﻠﺔ ﺗﻬﺰ ﺍﻟﻤﻨﻄﻘﺔ، ﻭ ﻧﺎﺭ ﺣﻘﺪﻫﻢ ﺗﻘﺘﺮﺏ. ﻳﺒﺘﺴﻢ ﻋﻠﻲ. ﻳﻤﺪ ﻳﺪﻩ إﻟﻰ ﺟﻌﺒﺘﻪ ﻣﺨﺮﺟًﺎ ﻋﺼﺒﺔ ﺻﻔﺮﺍﺀ، ﺯﻳﻨﺘﻬﺎ ﺃﺑﻬﻰ ﻗﺼﺎﺋﺪ ﺍﻟﻌﺸﻖ : " ﺣﺐ ﺍﻟﺤﺴﻴﻦ ﺃﺟﻨﻨﻲ ". ﻳﻀﻌﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺟﺒﻴﻨﻪ ﺍﻟﻘﺪﺳﻲ ﻭﻳﻤﻀﻲ.
ﻛﻞ ﻣﺎ ﺳﻤﻊ ﻣﻨﻪ ﻣﻨﺎﺟﺎة ﻣﻊ ﺧﺎﻟﻘﻪ، ﻳﺨﺒﺮﻩ ﻋﻦ ﺣﺒﻪ ﺍﻟﻄﺎﻫﺮ، ﻋﻦ ﻋﺒﺎﺩﺗﻪ ﺍﻟﻮﺍﻟﻬﺔ، ﻋﻦ ﺫﻭﺑﺎﻥ ﺭﻭﺣﻪ ﻓﻲ فضاء ﺍﻟﻄﺎﻋﺔ ﻟﻠﺤﺒﻴﺐ، ﻭ ﻳﺤﺪﺛﻪ ﻋﻦ ﻟﺬﺓ ﺍﻟﻌﺸﻖ، ﺭﻭﻋﺔ ﺍﻟﺸﻬﺎﺩﺓ ﻋﻠﻰ ﻋﻘﻴﺪﺓ ﻣﺎ ﺃﺩﺭﻛﺖ ﺇﻻ ﺍﻟﺨﻴﺮ ﻃﺮﻳﻘًﺎ ﻟﻠﻨﺠﺎﺓ، ﻭ ﻛﻠﻤﺎﺕ ﻻ ﻳﺪﺭﻛﻬﺎ إﻻ ﺍﻟﻮﺍﺻﻠﻮﻥ: ﺑﺎﻟﺤﺐ ﻭﺍﻟﺨﻴﺮ ﻧﻘﺎﺗﻠﻬﻢ .
ﺳﺎﻋﺎﺕ... ﻭﺗﺴﺘﻘﺮ ﺭﺻﺎﺻﺎﺕ ﻏﺎﺩﺭﺓ ﻓﻲ ﺟﺴﺪﻩ. ﺍﻟﻌﺎﺩﺓ ﺗﻘﻮﻝ ﺃﻥ ﻳﻨﺰﻑ ﺩﻣًﺎ، ﻟﻜﻨﻪ ﺭﺷﺢ ﻭﺭﺩًﺍ ﺘﺮﺍﻗﺺ ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻐﺎﻡ ﻗﻠﺒﻪ، ﻭ ﻓﺎﺡ ﻋﻄﺮًﺍ ﺍﻧﺴﻜﺐ ﻫﺎﺋﻤﺎً ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻪ ﺍﻷﺭﺽ، ﻭﺍﻋﺘﻠﺖ ﺭﺍﻳﺔ ﻧﻮﺭﺍﻧﻴﺔ ﻳﺘﻸﻷ ﺣﻀﻨﻬﺎ ﺧﻴﺮ ﺍﻟﻜﻼﻡ : " ﻭﺍﻟﺤﺐ ﻧﻬﺠﻲ ".