أحب حسين منذ الصغر تقليد اصوات بعض الحيوانات، وكان أحبها إلى قلبه، صوت الذئب، فأتقن تقليده حتى يخال السامع، إذا ما تفنن حسين في تقليده، أن ذئبًا في المكان. كبر حسين وظل يطور هذه الموهبة، ولكنه كان يخجل من تقليد هذه الأصوات، حفاظًا على هيبته كإنسان مؤمن وفي نفس الوقت مجاهد، إذ التحق بصفوف المقاومة الإسلامية، لما اشتد عوده. ومن تلك التجربة يروي لنا حسين قصته، فرحًا بما فعله يومًا ما من أيام العام 1996، حين كان في خدمته داخل محور إقليم التفاح، الذي كان يعد من أهم محاور المواجهة مع العدو الصهيوني وعملائه، إبان الاحتلال الصهيوني لجزء من لبنان. وقد كان حسين من مجاهدي هذا المحور، حفظ كل حبة تراب وكل شجرة و حجر فيه.
كانت ليلة مظلمة بل حالكة، حين طُلب من بعض المجاهدين، الذهاب في دورية تفتيشية في المنطقة، فتطوع اثنان منهم لهذه المهمة. يقول حسين: خرج الأخوة مع غياب الحمرة المشرقية عند غروب تلك الليلة، قاصدين مشارف جزين المحتلة آنذاك، حيث كان للعدو مواقع عدة مشرفة على هذه التلال. وكان المجاهدون يستفيدون من بعض الأوقات الخاصة، بين النهار والليل، أو بين الليل والفجر، ومتموهين بالأشجار الكثيفة في تلك المنطقة الحرجية بامتياز.
يكمل حسين: لا أبالغ إن قلت إنه في مثل هذه الليالي لم يكن الفرد منا يتمكن من مشاهدة أصبعه، إذا ما وضعه أمام عينيه. كان المقرر أن يعود الأخوة بعد ثلاث أو أربع ساعات على أبعد تقدير. مضت خمس ساعات، لا حس ولا خبر. بعد محاولات عدة من التواصل عبر أجهزة الاتصال المتواضعة جدًا في حينه، تمكن عامل الإشارة من التقاط إشارة ضعيفة من الأخوة، علمًا بأن منطقة عملهم لا تبعد كثيرًا، ويمكن الاتصال بهم بسهولة. إذًا لقد تاه الأخوة، بسبب الظلمة الحالكة. هذا ما استنتجه الإخوة الموجودين في النقطة. مع غياب أي أجهزة حديثة للرؤية الليلية في حينه. كانت احتمالات المخاطر المحدقة بهم كثيرة: كشف، قصف، كمين، وغير هذا...
أُوكلت مهمة استنقاذ الإخوة إلى حسين، فهو الضليع بهذه الأماكن. وقد كان هناك خطورة أخرى تتمثل في كثرة استخدام أجهزة الاتصال، التي قد تؤدي إلى كشفهم أيضًا عبر أجهزة التنصت المعادية. ما العمل اذًا؟ تبسم حسين. لعله وجد الحل! استحضر عادته القديمة المحببة. ردد في نفسه: جاء وقتم يا ذئبُ. خرج حسين إلى مهمة البحث عن رفاق الدرب، وبدأ بتقليد الصوت الذي يخجل من إسماعه للأصدقاء، فضلًا على الغرباء، ولكن هنا لا مجال للخجل، فهناك من هم في خطر، وعليه أن يستنفد كل إمكانياته.
ما هي إلا سويعات، حتى تمكن الأخوة من سماع صيحات حسين بصبغة ذئب هذه المرة. وبفضل هواية في الصغر، سُخّرت في رضا الله ومجاهدة العدو، نجا المجاهدون من مصير غير معلوم ...