صباحك، مساؤك، صيامك، عيدك، في الجنة أجمل. عبارة باتت على لسان أهالي الشهداء وأقربائهم وأصدقائهم حين يستذكرونهم، لتكون ثقافة الشهادة في سبيل ما هو أسمى رائدة في مجتمعنا، وكأن الله خصنا بواجب الدفاع عن الحق، مطلق حق، من دفاع عن الأرض إلى دفاع عن المقدسات. شعارات كثيرة رفعت في الآونة الاخيرة، لعل أبرزها شعار "لبيك يا زينب"، ولمن لا يعرف زينب، فهي ابنة الإمام علي بن أبي طالب (ع). أمها فاطمة الزهراء(ع) بنت النبي محمد (ص). شقيقة سيدي شباب أهل الجنة، الحسن والحسين (ع). أخت أبي الفضل العباس (ع). هي بطلة كربلاء. استشهد أربعة من أولادها مع خالهم الحسين (ع). وكفى بنسبها أن يلبي كل شريف غيور نداء الدفاع عن حرمها.
بدأت بمقدمتي هذه في محاولة لفهم حقيقة ما يدفع هؤلاء الأبطال وأهلهم إلى التضحية بكل غالٍ ونفيس، وهل هناك ما هو أغلى من الحياة؟ كيف لأم قدمت فلذة كبدها، وتراها في عزائه شامخة مستبشرة، تقدم العزاء لزينب وتشكر الله على قبوله. حقيقة حيرت العقول. بدأت جولتي من عزاء إلى آخر. أشاهد وأراقب من بعيد، وأحيانًا عن كثب، لم أجد إلا الصبر والجلد. ابنها مقتول وهي تعزي فاطمة (ع) بابنها الحسين (ع): ... عذرًا سيدتي هذا عزاء ابنك. تجاهر وتفاخر: هو فداء لزينب. لتكون مصداقًا لقولها (ع): ... ما رأيت إلا جميلًا ... هل هناك من تفسير عقلي؟ نعم إنه العشق. نور من نور.
كيف لشاب لم يبلغ العشرين ان يقف بوجه هؤلاء الظلاميين التكفيريين فرحًا بأنه يقاتلهم، حاضرًا في أخطر ساحات الحروب، ليخبرك بسره الكبير: لا تبحث لا تعذب نفسك، فالقلوب ولهى، أشغلها حب الله ونصرة دينه، ذودًا عن حرم رسوله ... حسينيون كربلائيون هم، فاطميات زينبيات هن، فلا تتفاجأ بها وهي توزع الحلوى في عرس صغيرها، تداوي ابنها الآخر الذي عاد جريحًا، تهيئ حفيدها لمستقبل واعد ...
في منزل آخر لا تحتاج إلى أن يرشدك أحد. يمكنك أن تلحق الرايات لتصل. هو أب لشهيدين، أولهم استشهد إبان الاحتلال الإسرائيلي، والآخر في الدفاع المقدس. يحمل فنجان قهوته يرتشفها، ويتحدث عن مآثر الشهيد تارة وعن بطولاته تارة أخرى. يمني النفس بشفاعتهم عند الله.
من أنتم أيها الكبار الكبار. هو وعي مهما حاول الأعداء كيه ما استطاعوا. نفوس ابية وأنوف حمية، من هناك من كربلاء الحسين، إلى ساحات القتال. صرخة دوت في آذانهم، واستقرت في عقولهم والقلوب. هيهات منا الذلة. يأبى الله لنا هذا ورسوله والمؤمنون... لهذا، كل أوقاتهم في الجنة أجمل.