موسى الصدر، اسم لا يحتاج سامعه اللبناني، إلى ولوج الإنترنت للبحث عن معلومات تفيد في التعرف عليه أكثر، فصاحب هذا الاسم ترك في فترة زمنية قصيرة، قضاها في لبنان، أثارًا لا يمكن إلا أن تكون قد وصلت ولو جزئيًا إلى كل لبناني، وحتى لجزء كبير من عالمنا العربي والإسلامي.
الغوص في تاريخ الإمام ومآثره، على قصر المدة الزمنية التي عاشها في بلادنا، صعب ويحتاج إلى موسوعات طويلة لحصره، وهذا ما وثقه أخيرًا قبل وفاته، الراحل الرائد يعقوب ضاهر في "موسوعة الإمام الصدر".
يعرف الناس "سماحة الإمام" (وهو اللقب الغالب ترداده بين جماهيره ومحبيه)، بأنه: السيد اللطيف المهذب، العامل المجتهد، المثابر الحريص، صاحب الوجه السموح والبسمة الملائكية، خطيب المسجد والكنيسة، رجل الحوار الإسلامي – الإسلامي، كما هو رجل الحوار الإسلامي - المسيحي، وصاحب المبادرات الوطنية والعربية، حتى تجاه أنظمة لم يكن ليتفق مع قادتها في شيء، إلا أنه لطالما بادر إلى التواصل مع الجميع، لما فيه مصلحة الأمة.
الحديث عن موسى الصدر، أيضًا هو حديث مقاومة، ابتداءً وانتهاءً.
والحديث عن دوره في انماء المناطق المحرومة وتطويرها على قاعدة رؤيته بضرورة "تكوين مجتمع حرب في مواجهة إسرائيل"، لم يكن أقل مقاومة من مقولة "السلاح زينة الرجال"، لكن أثر سماحته في المقاومة والمقاومين يبقى دائمًا السمة الأبرز لهذا الدور الروحي والسياسي والتنظيمي، الذي أنتج قيادات تولت مسؤولياتها بنفس الحماس والفاعلية والأمانة والإخلاص إلى حد التماهي والذوبان في شخصية سماحته.
أنتج فكر الإمام وعمله سلسلة طويلة من الكوادر العسكرية والسياسية والتنظيمية، ليس من السهل حصرها: قادة شهداء، أو رواد، أحياء مجاهدين، فكانت قافلة المؤمنين الشرفاء تمتد على طول مساحة "القضية"، مشاعل وقناديل من أعمدة المقاومة التي رفعت قيم مدرسته، مؤسسةً لتحقيق أحلامه كما رسمها بخطوط التعب والسهر والجهد.
قد يظن كثيرون بأن جهد سماحته، الملموس حاليًا ينحصر في حركة أمل وحزب الله، قيادة وجماهير، لكن المتابع للحلقة الأوسع من ميدان جهاده ونضاله، يدرك بأن لسماحة الإمام القائد دورًا محوريًا في الثورة الإسلامية المباركة في إيران، "ثورة الكاسيت" الذي كان الإمام الصدر يحرص على توزيعه بعد حصوله على النسخ المسجلة بصوت قائد الثورة، الإمام روح الله الخميني، في لبنان كما في إيران والعراق، وهو خصص لتلك الغاية شبكة من الطيارين، الذي يثق بهم، فأوكل إليهم مهمة حمل رسائله عبر البلدان.
أما في لبنان المقاوم، ساحة جهاد الإمام الأقرب إلى القلب والعقل، قربه إلى فلسطين وقدسها، فقد أسس سماحته لمقاومة منتصرة منذ أن وثبت تقاوم الاحتلال بأضعف السلاح على تلال الطيبة وشلعبون.
وهو إذ أخذ عهد المقاومين والمجاهدين بأن يقاوموا الاحتلال الإسرائيلي بأظافرهم وأسنانهم وسلاحهم مهما كان وضيعًا، إنما كان يؤسس لهذه المقاومة التي أصبح سلاحها وقوة مجاهديها مدعاة افتخار وعزة وكرامة كل انسان حر في هذا العالم.
وعهد المقاومين للإمام القائد السيد موسى الصدر، الذي أثمر من عظيم الانتصارات أرقاها، ومن جميل المواقف أبهاها، لا زال يتردد في وصايا شهدائهم، وفي قوافل شهداء الدفاع المقدس "نبراسًا"، كما في خطاب ونهج ونفس سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله افتتاحًا وختامًا.
فسماحة السيد يصر في خطاباته كافة، على تنوع مناسباتها، على التذكير بقضية "الإمام المغيب"، مذكرًا الجيل الجديد بصانع هذه المقاومة وبمواقفه وجهاده، كذلك بأولوياته الكبرى: المقاومة وصون لبنان وتحرير فلسطين. كذلك يصر سماحة السيد نصرالله على مخاطبته بـ"القائد المؤسس"، للإضاءة على عظيم ما صنع وجميل ما ترك فينا من آثار.
فللقائد المؤسس في ذكراه، عهدنا ووعدنا والقسم، أننا يا سيدي باقون على نهجك في صون لبنان، ومبايعة مقاومته، حتى تحرير الأراضي المحتلة كافة ، بما فيها فلسطين العزيزة وقدسنا الأغلى، مهما عظمت التضحيات، وسنبقى مثلما أردتنا، موج البحر الذي لا يهدأ، المؤمنين بأن عيشنا ذل دون القدس وأن الوطن يحفظ بالجهاد، والكرامات تحفظ بالشهادة.