حزب الله رتاج الانتصارات العظيم(2) – د. عبد الستار قاسم*
خاص موقع المقاومة الإسلامية
... ثالثًا، التحصين الأمني
ركز حزب الله على التحصين الأمني وسرية عمله حتى لا يعطي العدو فرصة خوض حروب ناظرة تملك الكثير من المعلومات عن الأهداف الأمنية والعسكرية. دقق حزب الله في تاريخ كل عناصره، وأنشأ أجهزة أمنية احترافية بهدف تنظيف حزب الله ومحيطه من الجواسيس والعملاء، وبهدف جمع معلومات أمنية واستخبارية عن العدو. وقد أثبتت التجربة أن الحزب كان دقيقا واستطاع أن يبقي العدو في حالة جهل شبه مطبق حول نشاطات الحزب، إلى حد كبير جدًا.
حزب الله الآن هو الأكثر غموضا عند إسرائيل، وهي لا تملك الوسائل للوصول إلى أسراره ولا الجواسيس والعملاء. فإذا قورن أداء ن الحزب أمنيا مع الأنظمة العربية نجد أن الحزب كان الأكثر دقة من الناحية الأمنية، والأكثر قدرة على حماية نفسه من الاختراقات. وإن وجدت مشكلة للحزب فهي مشكلة بعض الداخل اللبناني الذي يصر على التعامل مع إسرائيل ويعمل بجد واجتهاد على إضعاف الحزب وخنقه ومحاصرته. وقد رأينا كيف أن لبنانيين كانوا يصرون على تصفية شبكة اتصالات الحزب وإلحاقها بشبكة الاتصالات اللبنانية المخترقة إسرائيليا.
رابعًا، التقدم العلمي
منذ البداية، تخلى الحزب تماما عن العقلية العربية الارتجالية والفهلوية والعشوائية والسحرية والفوضوية، وأقر المنهج العلمي في البناء المجتمعي والسياسي والاقتصادي. التفكير العلمي هو أقصر الطرق للوصول إلى معالجات صحيحة سواء لمواجهة الأزمات أو تحقيق التقدم. والمنهج العلمي هو الذي يقود في النهاية إلى الاكتشاف والاختراع ومن ثم إلى التقدم. ولهذا طور الحزب مراكز أبحاث واستقدم الخبراء في مختلف المجالات، وأصبحت الكلمة ليس للقادة السياسيين وإنما لأصحاب العلم والمعرفة.
السيد حسن نصر الله ليس أبو العرّيف العربي، وإنما هو قائد يستمع ويحاول أن يستجمع من أجل اتخاذ القرارات على أسس علمية. لقد ثبت أن قيادة حزب الله قيادة متنورة وتؤدي عملها بمنهجية علمية سليمة، وتعمل دائما على أن تكون على قدر إمكاناتها ومقدراتها. هي لا تكذب ولا تضلل ولا تهيج المشاعر والعواطف. ولهذا وثق بكلامها العدو والصديق، وأصبح كلام السيد حسن مقياسا للحقيقة في ما يتعلق بالصراع مع إسرائيل.
خامسا: المستوى الأخلاقي
قلما ينتبه قادة العرب إلى المسألة الأخلاقية في أقوالهم وأفعالهم. الأمر مختلف عند حزب الله الذي أثبت أنه قدوة أخلاقية. إنه يختلف مع آخرين، لكنه ليس مستعدا للدخول في نشاطات تخرج عن أدب الاختلاف، أو أن يزج نفسه في مواقف قد يندم عليها. إنه يتعامل مع الآخرين بطاقة أخلاقية رفيعة تليق بالأخلاق الإسلامية، ولا يحاول فرض نفسه، أو التكبر أو المنة. قد يجره الداخل اللبناني أحيانا إلى مواقف قد تؤدي إلى انتقاده، لكن ضرورات الدفاع عن الذات تتطلب عدم التفريط. حزب الله أنشأ مؤسسات اجتماعية وثقافية وصحية واقتصادية من أجل أن يحقق نوعا من الاستقرار الحياتي لمجتمعه، وعندما تدمرت قرى لبنانية في حرب العام 2006، قدم الحزب تعويضات للمسيحي قبل المسلم، وللسني قبل الشيعي.
سادسًا، النموذج
قدم الحزب نموذجا تكتيكيا عسكريا عبقريا سيبقى درسا من دروس العسكرتارية على مستوى العالم عبر التاريخ، وهو تحييد القوة العسكرية الجوية الإسرائيلية الضاربة. استطاع الحزب أن يفقد الطيران الإسرائيلي في حرب تموز/ يوليو 2006 فاعليته، وذلك باستخدام الأنفاق وشبكة اتصالات بدائية. لم يستطع طيران إسرائيل في تلك الحرب ضرب المقاتلين أو مخازن الأسلحة أو المواقع العسكرية، وشلت فعاليته الحربية، فتوجه إلى ضرب المدنيين وتدمير البيوت. وبسبب شبكة الأنفاق والتسليح المتطور، استطاع الحزب أن يشل سلاح المدرعات الإسرائيلي، الأمر الذي اضطر إسرائيل إلى قبول وقف إطلاق النار من دون تحقيق أي هدف من أهداف الحرب.
انتصار حزب الله
حزب الله انتصر في حرب 2006، وكان ذلك الانتصار الثاني الذي يحققه العرب ضد إسرائيل، لكنه لم يكن انتصارا يؤدي إلى زوال إسرائيل. كان خطوة هامة على الطريق ومؤشرا قويا إلى أن العد التصاعدي العربي الذي بدأ في العام 2000 قد تأكد، وأن العد التنازلي الإسرائيلي بقي مستمرا. بالنسبة إلى إسرائيل، جيشها أخفق العام 2006، لكن العرب ما زالوا يصرون على أن إسرائيل انتصرت والحزب قد هزم. هذا ليس غريبا لأن المستويات الرسمية العربية تكره الانتصار، وتعد المنتصرين ندًا لها، يمكن أن يحلوا محلها مستقبلا. ومع هذا فمن المؤكد أن المستقبل للمقاومة والخزي للأنظمة العربية وأعوانها.
تجربة غزة
واضح من مجريات الأمور في قطاع غزة في حروب 2008/2009، 2012 و 2014، أن غزة قد استفادت كثيرا من تجربة حزب الله، سواء في مسألة الأنفاق أو تصنيع السلاح أو تحييد الطيران أو التحصين الأمني. لم يبخل حزب الله على المقاومة الفلسطينية لا بالمعلومة ولا بالتجربة، ومع خلافه مع بعض أطراف المقاومة الفلسطينية بشأن الوضع السوري، إلا أنه مستعد دائما لتقديم كل عون ممكن للفلسطينيين.
تأثرت شعبية الحزب إلى حد ما عقب الأحداث في سوريا، لكن الحزب ما زال مسيطرا على الوضع العسكري، ولن يكون مفاجئا إن حرر جزءًا من الجليل الفلسطيني مستقبلًا، الأمر الذي سيبعث الأمل في نفوس أهل الضفة الغربية وغزة للتخلص من الاحتلال والحصار.
الحلقة الأولى على هذا الرابط: