لم يمض اسبوعان على استشهاد المقدم في الجيش اللبناني نور الدين الجمل، ولا تزال سماء بيروت تتشح برايات السواد، والحزن يخيم على أبنائها الوطنيين الشرفاء.
فبيروت المناضلة والمقاومة عبر التاريخ، رفعت راية العزة والمجد بشهيدها الجمل، الذي ضحى بروحه النفيسة من أجل حرية وطنه وشعبه ضد الإرهاب التكفيري، الذي لا يميز بين طائفة وأخرى، ولا يعرف سوى لغة واحدة، لغة القتل وسفك الدماء.
هذه المرة لم يخرج أبناء طريق الجديدة للتهليل بقدوم قائد حزبي، أو للرد على موقف سياسي معارض، أو حتى للإشادة بسياسي متطرف، بل نزلوا جميعًا الى الشارع متشحين بالسواد حزنا على فقدان أحد ابناء منطقتهم. هذا الابن الذي تربى في كنفهم منذ الصغر؛ فنشروا الورود والرياحين استقبالا لهذا المناضل، الذي لم يكن همه سوى الوحدة الوطنية والتزامه بمبادئ الجيش اللبناني الوطني، فكان مساندا للمقاومة الوطنية في مشوارها الجهادي، الذي لا ينتهي إلا بدحر العدو الصهيوني، عن آخر شبر من أراضينا، ووقف تهديداته.
للشهيد الجمل تاريخ بطولي في مواجهة الإرهاب والعدو الصهيوني، ككل أبناء بيروت الشرفاء الذين لم يردعهم لا تيار حزبي أو مصالح خارجية، عن طريق الحرية والمقاومة. كل من يصادفك ينفي انتماء الشهيد إلى أي جهة حزبية كانت، سوى انه كان متفانيًا في خدمة المؤسسة العسكرية والوطن.
ليس الجنوب البطل غريبًا عن الشهيد، فقد خدم الجمل هناك مدة من الزمن، وتحديدا في منطقة النبطية التي يشهد أبناؤها له بالمناقبية، حيث كان مثالًا للضابط الملتزم بالمثل والشرف والتضحية والوفاء في سبيل الارض والشعب والوطن.
ابن حي "الطمليس" البيروتي
ولد الشهيد نور الدين الجمل في كنف عائلة بيروتية مناضلة، في أحد احياء طريق الجديدة الفقيرة، زاروب الطمليس، في العام 1966. متأهل وله ثلاثة أولاد. كان موظفًا في أحد المصارف، قبل قراره الانضمام إلى المؤسسة العسكرية.
تطوع في الجيش بصفة تلميذ ضابط سنة 1990. تدرج في الترقية حتى رتبة مقدم ابتداء من 2012، وبعد استشهاده رُقي إلى رتبة عقيد، بحسب العرف العسكري. حائز على أوسمة عدة، وتنويه قائد الجيش وتهنئته. سبق له أن شارك في معارك عسكرية قاسية، كمعركة عبرا العام الماضي، حيث استشهد عدد من أفراد كتيبته.
طُلب منه الانتقال إلى عرسال قبل أيام عدة من استشهاده. واجه صعوبة كبيرة بالالتحاق بالثكنة، بسبب عمليات القصف والقنص من جانب العناصر المسلحة التي تهيمن على البلدة. لم يتخل عن أفراد كتيبته، بل غطى انسحاب عناصرها بتصديه لمصادر النيران بالمدفعية الموجودة على الملالة. تكاثر عليه أكثر من ثلاثمئة إرهابي هاجموا الثكنة، فقُنص في رأسه وصدره.
بعد انتشار خبر استشهاده، ضجت بيروت بالفاجعة. نقل من المستشفى العسكري إلى منزله الكائن في محيط الجامعة العربية، يتقدمه أشقاؤه وذووه وأصدقاؤه ورفاق السلاح وحشد من الأهالي. ووري الثرى في مأتم مهيب في مدافن الباشورة في بيروت.
حادثة استشهاد الشهيد نور الدين الجمل، وكل ما جرى في عرسال، كرس المعادلة الذهبية وعمدها بالدم: جيش وشعب ومقاومة، على استعداد للتضحية والوفاء دون الشرف العسكري والوطني.