وصلتني رسالة من أخ عزيز عبر "الواتسآب"، بعدما نشرت على صفحتي خبر تشييع الشهيد القائد الحاج إبراهيم الحاج "سلمان"*، هذا نصها:
حج حسين، السلام عليكم.
لقد وضعتم على حسابكم في "الفايسبوك" خبرًا عن شهيد قائد، و بمجرد رؤيتي لصورته تذكرت حادثة حصلت لي معه (رضوان الله عليه):
كان لي قريب و صديق في الستينيات من عمره في عيتا الشعب. شاءت الظروف أن يكون بين صفوف المقاومين، و قد أبلى في الـ33 يومًا بلاء حسنًا، و قد أكرمه الله باستشهاد ابنه البكر،يوسف. و نظرًا إلى كونه من سكان البلدة ولكبر سنه و إكرامًا لتضحياته وعطاءاته إبان الحرب، فقد أكرمه المقاومون وأتحفوه بالود والاحترام والتقدير، وفاءً منهم لجهاده ودماء ولده الشهيد.
من جهتي قصدت زيارة قريبي لتقديم واجب المواساة له في بلدته عيتا الشعب، وﻷتفقده بعد انتهاء الحرب مباشرة، بعدما علمت باستشهاد ولده، و لقد رأيت أمورًا كثيرة كانت لا تزال ماثلة أمام ناظري، تدلل على ضراوة المعارك التي حصلت: حجم الدمار الهائل، أشلاء الجنود الصهاينة، الغنائم التي يتم تجميعها... ولم أكن أعرف بأن هذه اﻷشلاء سوف تكون ثمنًا لتبادل اسرى بين العدو والمقاومة لاحقًا.
المهم، بعد فترة، تم فتح الطرقات بالكامل، وفي ذكرى أسبوع الشهيد يوسف، وصلت إلى منزل العائلة، وكان يغص بالزوار من مختلف القرى والبلدات الجنوبية: من صور وبيروت، وقد أمت المكان وفود غفيرة لهذه المناسبة، نيابية وديبلوماسية وسياسية ونقابية، نظرًا إلى الرمزية التي اكتسبتها عيتا الشعب حينها، وصديقي، والد الشهيد، يرحب بالمعزين. ثم مال عليّ وصار يحدثني عن الحرب و ظروفها، راويًا قصصًا أقرب إلى الخيال عن بطل كبير أثر في نفسه كثيرًا. قال إن لدى هذا البطل من اﻹرادة والعزم والقوة ما يقربه من الأسطورة.
وذهب إلى أن كل ما شاهده في معتقلات العدو من رجال وما مر عليه من رجالات في مختلف الحروب التي خاضها في شبابه مع من عرفهم من ذوي القوة و البأس، فلا أحد منهم يماثل هذا الفارس ... و في غمرة الحديث عن هذا المجاهد البطل، وإذ بصديقي يسكت فجأة، فأرى في عينيه فرحة غريبة، وقد نظر إلى مدخل بيته فرحًا بمجيء ضيف جاء يواسيه بولده الشهيد. رمقني صديقي بعينيه. همس في أذني: "هذا هو الفارس". وبسرعة، أهمل صديقي كل حضوره و ضيوفه الكبار، مرحبًا ترحيبا غير عادي بشاب خجول إلى حد كبير، يخاف من النظرات فيخفي نظره في التراب استحياءً!.
تشييع الشهيد إبراهيم الحاج في مشغرة
كان فيه الكثير من التواضع و البساطة الغريبة التي جعلتني أشكك بما قاله صديقي. وما هي إلا لحظات مرت، حتى خرج هذا المجاهد بصمت، ومن دون أن يشعر أو ينتبه إليه أحد من الحاضرين. مرت الأيام ولم أرَ هذا الرجل الخجول ولم أعرف سره، إلى أن فتحت حسابي على "الفايسبوك" الليلة فوجدت صورته - يا حج حسين - على حسابك. تذكرته. هذا هو من رأيته في عيتا الشعب، عند صديقي أبي يوسف.
هذا هو المجاهد وفارس المحاور في القرى الحدودية (عيتا و أخواتها). الآن عرفت اسمه بعد كل هذه السنين. لقد كان الشهيد "سلمان"، الحاج إبراهيم الحاج يقاتل ليمنع اليهود من تدنيس أرضنا المباركة. فله الخلود في جنات النعيم. لقد آن لهذا الفارس أن يستريح.
انتهت رسالة صديقي ولكن لم ينتهِ الكلام على أبي محمد سلمان، ولا أظنه ينتهي.
*الشهيد إبراهيم الحاج - من مواليد بلدة قليا في البقاع الغربي وسكان مشغرة. كان أحد قادة المواجهات في محور عيتا الشعب إبان حرب تموز. له تاريخ جهادي حافل.