قصتي قصيرة جدًا، ولكنها غائرة في ذاكرتي ووجداني. تذكرتها مع أول يوم للصيام. لأن بطلها استشهد في أول شهر رمضان 1429 الموافق في التاسع من كانون الأول العام 1999. صاحبنا هو الشيخ ميرزا*.
تميز الشيخ ميرزا بخلقه الرفيع وإيثاره وشجاعته. من مظاهر هذا الإيثار يذكر أحد أصدقائه القصة الآتية:
في إحدى ليالي تشرين الثاني، وكانت ليلة شديدة البرودة، قبيل استشهاد الشيخ ميرزا بأسابيع، كان على موعد في مهمة بإحدى قرى الجنوب، وكذلك صديقه كان لديه مهمة أخرى في مكان آخر أكثر خطورة، حتى إنه لا يمكنه أخذ فراش عسكري يقيه الصقيع هناك. ذهب الصديقان كل إلى مهمته مع مجاهد آخر. هنا كانت المفاجأة. بعدما وصل الشيخ إلى مكان مهمته مع المجاهد الآخر، وأرادا الاستقرار والكمون في المكان. برد قارس ورذاذ مطر كالمسامير يتساقط على الأجساد. بادر زميل الشيخ ميرزا في المهمة إلى فتح حقيبته العسكرية، لإخراج الفراش العسكري. بعد قليل لاحظ أن الشيخ لم يخرج فراشه وبقي جالسًا يحاول مقاومة البرد بالانكماش على نفسه. مستغربًا سأله لماذا لا يفتح حقيبته ويحضر فراشه لاكتساب شيء من الدفء، مع أنه يرتجف وأسنانه تصطك؟ بابتسامة دافئة أجاب: يا سيد صاحبنا جعفر لا يمكنه أن يأخذ ما يقيه البرد في مهمته، وأريد أن أواسيه، حيث سيبقى أيامًا وليالي عدة في العراء من دون أن يتدثر بفراش، أو يلتحف بلحاف.
الشهيد حسن سلامة
عودة إلى أول رمضان: تحدد موعد لدورية استطلاع قتالية في ذلك اليوم، فكان كعادته ملبيًا. الدنيا صيام الدنيا شتا ... آخر هم الشيخ ميرزا. ترافق وصديقه حسن سلامة* في الدورية لاستطلاع مواقع العدو الإسرائيلي وعملائه، داخل الشريط الحدودي المحتل آنذاك من جبل عامل (جنوب لبنان). وجهان جميلان وقلبان كبيران يسيران في تلك الأودية ويصعدان الجبال. بلغ بهما المسير، العسكري والصعب في التنقل والحركة، قرية رب ثلاثين (قضاء مرجعيون). هناك كان أحد الجواسيس متربصًا فأبصرهم بعينه اللئيمة. سارع العميل إلى إبلاغ مشغليه الصهاينة، فاستنفر هؤلاء واستقدموا تعزيزات لاعتقالهما. وقعت مواجهة عنيفة تدخلت فيها الطائرات المروحية وسلاح المدرعات. لم ينجلِ غبار المعركة إلا والمجاهدان، الشيخ ميرزا وحسن سلامة، شهيدان. هنا لجأ العملاء – كعادتهم في التشفي بعد العجز عن المواجهة – إلى سحل الجثمانين الطاهرين، مربوطين إلى ملالاتهم، داخل بلدة رب ثلاثين، مكان المواجهة البطولية. احتجز الصهاينة الجثمانين حتى حصول عملية تبادل، وكان تشييعهما في ليلة القدر الأولى.
* الشهيد موسى محمود أحمد (قاروط) "الشيخ ميرزا" – مواليد ميس الجبل (قضاء مرجعيون) 1973 - حاصل على إجازة تعليمية في تدريس العلوم الاسلامية.
*الشهيد حسن علي سلامة – مواليد قعقعية الجسر (قضاء النبطية) 1976.